من كتاب لم أكمله .. أهلا ً بـ إرهاب محمد الجزء الأول \ أهل الطائف
1 أهل الطائف
خرج الرسول عليه الصلاة والسلام مشياً من مكة إلى الطائف وحيداً بلا خدم ولا مركب ولا رفيق إلا بالواحد الأحد , خرج رحمةً بالناس ولتبليغ رسالة الرب جلا في علاه خرج يدعوهم لكلمة واحدة ( لا إله إلا الله ) خرج حريصاً على نجاتهم خرج خائفاً وجلٍ على الأمة خرج وضحى بنفسه لدعوة الناس لهذه الكلمة وها هو يصل إلى منتدياتهم التي يجلسون فيها كبار أهل الطائف جلس معهم يعرض عليهم الإسلام قال لهم : ( إن الله أرسلني إليكم أن قولوا لا إله إلا الله تفلحوا ) يا الله ما أعظم هذه الكلمة ! قطع المسافات مشياً على الأقدام وقد نال التعبُ منهُ ما نال سار ليلاً ونهاراً ولم يبالي بالجوع ولا التعب ثم يقف بين المشركين بلا خوف يقول للقوم : ( إن الله أرسلني إليكم أن قولوا لا إله إلا الله تفلحوا ) والله لو وضعت السماوات والأرض في كفة الميزان , ووضعت لا إله إلا الله في الكفة الأخرى لطاشت بهن ورجحت لا إله إلا الله ( 1 ) , فردوا عليه عُـباد الأوثان بأبشع الردود وأسوءها فقال أولهم عبد يا ليل بن عمرو بن عُمير : أمزق ثياب الكعبة إن كنت أنت نبي , وقال الثاني مسعود بن عمرو بن عُمير : أعجز الله أن يبعث رجلُ ُ غيرك إنك مفترٍ على الله , أما الثالث حبيب بن عمرو بن عُمير بن عوف بن عقدة بن غيرة بن عوف بن ثقيف : والله لا أكلمك أبداً لئن كنت رسولاً من الله كما تقول لأنت أعظم خطراً من أن أرد عليك الكلام ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغي لي أن أكلمك ثم طلبوا منه مغادرة الطائف وأن لا يبقى فيها أبداً فقال الرسول : إذا فعلتم ما فعلتم فاكتموا أمري , فقام أهل الطائف وأرسلوا أطفالهم وعبيدهم و مواليهم وسفهاء قومهم أن يطردوا النبي عليه الصلاة والسلام ويرجموه بالحجارة
فرموه بالحجارة وامتلأت أقدامُ النبي عليه الصلاة والسلام دماً ولا يوجدُ موضعُ قدم للنبي إلا والحجارة ترمي عليه فكلما وقف ضحكوا عليه واستهزئوا به ورموه بالحجارة فخرج من الطائف وهو مطرود غير مرحبٍ به وهو يقول : اللهم أشكوا إليك ضعف قوتي وقلتي حيلتي وهواني على الناس يا أرحم الراحمين يا إله المستضعفين إلى من تكلني إلى بعيدٍ يتجهمني أو عدوٍ ملكته أمري أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن يحل بي قضبك أو ينزل علي سخطك اللهم إن لم يكن بك غضباً علي فلا أبالي لك العتبى حتى ترضى ولك العتبة إذا رضيت ( 2 )
فذهب وهو حزين على ما حدث له من أهل الطائف أتاهم يدعوهم للنجاة من النار وكان حريصاً على نجاتهم وفوزهم ولكن قوبل بالتكذيب والاستهزاء والطرد , أصبح النبي بلا مأوى وفي ظلمةٍ وفي جوعٍ وأذىً كبير ومن تعبٍ إلى تعب ومن همٍ إلى هم ومن ضيقٍ إلى ضيق , فخرج وهو حزين لعدم إيمان الناس برسالة الله تبارك وتعالى , خرج من الطائف فوجد مزرعةٍ فذهب إليها وهو ممتلئ دماً فستلقى فيها فأتاه صاحب المزرعة فعلم من محمد ما حدث له فرحم به وأتى بعنبٍ له وأعطاهُ إياه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : بسم الله ثم أكل فقال عداس عبد لأصحاب هذه المزرعة : إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد فقال الرسول ما اسمك ؟ فقال الرجل : عداس فقال النبي : من أين أنت يا عداس ؟ فقال عداس : من نينوى فقال النبي : نينوى مدينة العبد الصالح يونس ابن متى فقال عداس : ما أدراك بهذا ؟ فقال الرسول : هذا أخي نبي مثلي فبكى عداس وأنكب على بطن النبي يقبله فقال : أشهدُ أن لا إله إلا الله محمد رسول الله , يا الله لم يبالي النبي بما فيه من بلاء ومن طردِ أهل الطائف له لم يكن الوقتُ وقتُ دعوة ولا ساعةُ هداية ولا يسمح الوقت لمثل هذا ولكن النبي حريص في كل لحظةٍ على أن يدعوا إلى لا إله إلا الله
هكذا طرد محمد من الطائف وأصبح بلا مأوى يقول النبي : ألتفتُ إذ بسحابةٍ فوق رأسي حينما وعيت إذ بجبريل عليه السلام يُسلم علي فقال جبريل : إن الله قد سمِع مقالة قومِك لك وإن الله أرسل إليك ملك الجبال لتطبق الأخشبين عليهم فأتاه ملك الجبال فسلم عليه فقال له : يا رسول الله أنا ملك الجبال مرني فل أطبق الأخشبين عليهم فقال الرسول : لا لا لعل الله أن يُخرج من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك فيه شيئا , يا الله ما أعظمهُ من موقف يا الله أيُ قلبٍ يمتلك رسول الله صلى الله عليه وسلم طردوه وآذوه ورموه بالحجارة واستهزئوا به وتلقى ما تلقى من الأذى الكلامي والفعلي ثم يقول : لا لعل الله أن يُخرج من أصلابهم من يعبد الله ولا يُشرك به شيئا , ما أجمل هذا الحُلم من النبي عليه الصلاة والسلام لقد كان رحيماً على البشر وحريصُ ُ على هدايتهم بالرغم من المعاملة السيئة التي قوبل بها وبالرغم من التكذيب والطرد والاستهزاء إلا أنهُ كان يتعامل بإنسانية وبرحمة وبشفقة للبشر وهذا إن دل فإنهُ يدل على رحمةِ النبي عليه الصلاة والسلام في هذه الأمة ( 3 ) يقول الحق تبارك وتعالى ( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ) ( 4 )
وقـفة
ما نستشعره من الموقف حيثُ خرج وحدياً ومشياً على الأقدام لكي يُنذر الناس يوماً لا ينفعُ مالُ ُ ولا بنون خرج حريصاً على الأمة خرج رحمةٍ بهم خرج إلى كلمةٍ واحدة : لا إله إلا الله وقد كذبوه وآذوه وطردوه ومع ذالك كان رحيماً حليماً بهم ولو أمر لا أطبق الأخشبين عليهم وانتهى الأمر ولكن الرسول مدارسُ ُ من الرحمة لم يشأ أن يُدمر تلك الأمة لعل تلك الأمة أن تُخرج من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك فيه شيءً , ومن هذا الموقف نلتمس تلك الرحمة في قلبي النبي صلى الله عليه وسلم تجاه البشر وكيف كان يحرص عليهم وكم تتلذذُ نفسه من إخراج الناس من الظلمات إلى النور لم تأخذه لحظة الغضب ولا ساعاتُ الإيذاء الذي تعرض إليها لم يغضب لـ نفسه ولم ينتصر لها ولكن قابلها بالعفو والسماحة والرحمة فإذا كان هذا هو الإرهاب الذي يعنوه فل نسأل الطائف ورجال أو نسأل مكة وجبالها لما لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يُطبق الأخشبين عليهم ويدمر تلك الأمة وتنتهي القضية ! لكن سماحته وعفوه وحلمه يسبقُ كل شيء فهل هذا هو الإرهاب ! أن يكون محمداً حريصاً حليماً خائفاً على الأمة ! أو يكون رأس التطرف ! بأن يسبق حلمهُ ورحمته كل شيء ! فهنيئاً لنا إن كان هذا هو إرهاب محمد ( العفو , السماحة , الحُلم )
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قِبل نجْد فلما قَفَلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم قفل معه فأدركتهم القائلة في واد كثير العِضاة ( أي كثير الشجر ذي الشوك ) فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرق الناس يستظلون بالشجر فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة وعلٌق يها سيفه ونمنا نومه فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعونا إذا عنده أعرابي فقال : إن هذا أخْترط علي سيفي وأنا نائم فاستقضيت وهو في يده السيف فقال الأعرابي : من يمنعك مني أن أقتلك يا محمد ؟ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : الله الله الله فسقط السيفُ من الأعرابي فقال محمد صلى الله عليه وسلم : من يمنعك مني الآن ؟ فقال الأعرابي : يمنعك حُلمك وعفوك فتركه الرسول ولم يعاقبه ( 5 )
نكتفي بـ قول الأعرابي لنبينا صلى الله عليه وسلم : يمنعك من قتلي حـُلمك و عفوك
( 1 ) مجمع الزوائد 4 \ 224 , البداية والنهاية إبن كثير رقم 1 \ 112 , مسند أحمد 10 \ 87
الألباني في السلسلة الصحيحة رقم 134
( 2 ) الرحيق المختوم ص 126 \ , ضعفه ُ الألباني و الهيثمي في مجمع الزوائد 6 \ 35
( 3 ) السيرة النبوية لإبن هشام الصفحة 211 \ 213 , روى البخاري تفصيل هذه القصة كتاب بدأ الخلق 1 \ 458 باب ما لقي النبي من أذى للمشركين و المنافقين 2 \ 109 وكذالك في صحيح مسلم 1795 , و البداية و النهاية ص 111 \ 112
(4 ) سورة التوبة ( 128 ) ,
( 5 ) البخاري ( 3 \ 1065 ورقم 2753 )