عَنْ [جُوعْ خَالِدْ ] عَنْ جُروُحِهْ! عَنْ سِنينهْ والتّعَب
عَن دَمْعتِينْ .!! اِتْيَمَّمَتْ مَرّة عَلَى خَدّ الْيَتيِمْ
مَطْلَع ُ النّص يُحْسَب للشّاعِر ، وأظُنّه غَيْر مَسْبُوق –لأنّي لَم أقْرَأ مَطْلَعَا ً بِهذه الطّريْقَة ، فَمَن قَرَأ فلْيُخبِرنَا-وهُو مَطْلَع يُحَفّزُ القَاريء عَلى القِرَاءَة والدّهْشَة
الشّاعِر هُنَا أجَاد الدّخُول للنّص ، وبِطَرِيْقَة لاتُوحِي بِالأنَا ، بَل ذَكَر الشّيء المَحْسُوس الغَيْر مَلْمُوس ، وهُو الجُوع ، ولَعَل الجُوع مُسَمّى ً بَليْغ ُ الأثَر ويَلِج ُ رُوح المُتَلَقي
وقَدّمَه ُ الشّاعِر بِصَفَته أهَم مَايَعنِي الإنْسَان فِي هَذه الحَيَاة ،وقَد أوْصَل لَنا خَالِد أنّ هَذا الجُوع قَبْل أن يَظْهَر كَان للألَم والمُعَانَاة المُمْتَدّان عَبْر السّنين وتَعَبِهَا نَصِيْب ٌ فِي حيَاتِه ، فَهُو لايَشْتَكي الجُوع فَقط ، بَل يَشْتَكي مِن أشْياء لاتَقِل أهميّة لديْه ومَاالجُوع إلا مَحَطّة نَفِدَ عِنْدَهَا كُل مَايَسْتَطِيْع فِعْلُه ، وكَان لابُد مِن البَوح والشّكْوى
ولَعَل خَالِد فِي ذكْرِه لدمْعَتيْه هُنَا أوْصَل عُنْصُر الكِبْريَاء الّذي لَوْلاَه ُ لَمَا صَبَر حَتّى بَلَغ مِن التّعَب والجُوع مَبْلَغُهما المُوجِع ، فَاليَتِيْم ُ لاتُقَال إلا للطّفْل ، وهُنَا إيْصَال الكِبْريَاء بِطَريْقَة ٍ رَائِعَة جِدّا ً ، فَهُو يُخْبِرُنَا أنّ آخِر عَهْدٍ لَه بِالإنْكِسَار حِيْنَمَا كَان طِفْلاً
وبَعْدَهَا كَان خَالد فِي تَعَب ٍ وسَيْر بِاتّجَاه الغِنَى والأمَل وبَعْد أن خَارت القُوى وبَلَغ منْه الجُوع أصْبَح لِزَامَا ً أن يُبْدي مَابِه عَلانِيَة ً!
عَنْ لُوحِتِهْ!! عَنْ خُوفِهْ الْمَخْطُوفْ لُونِهْ!! مَا لَعَبْ
يُوُمٍ يقَوُلْ : انّ الْغَلاَ مَا يِخْشِعِهْ !! رُكْنَ الْعَتِيمْ!
هُنَا تَمُر الذّكْريَات عَلى مَرأى الشّاعِر وكَيْف أنّ الهَلَع كَان يَقْتَنِص مْنْه أُنْسَه وفَرْحَة نَهَاره حِيْنَمَا يَلُوذ لِزوايَا الوِحْدة صَغِيْرَا ً ، وكَيْف أنّ هَذا الخَوف لايُبْعِدَه قَلِيْلا ً عَنْه إلا مُواسَاتِه لِنَفْسِه بِحُبٍ يُقْنِع نَفْسَه بِوجُودِه!
لا!! تِقْرَأَ !! الشِّعْرَ الْمُلَثّمْ!!؟ ثُمٍّ تِمِلْ مْنَ ال/صَّعَبْ
إِلاّ بَعَدْ !! فِهْمَ الْمُهِمْ!تَلْقَىَ الْفِهِمْ لِهْ فَيْ // وهِيِمْ
الغُمُوض ُ وإن وجَدْتَه عَلِيْك أنْ تُعْطِي لَه مَايُبَرّره ، ولاتُفَكّر فِي قَتْل مَاتَقْرَأه –هَكذا يقُول خَالِد لِمَن يَقْرَأه-والمُبَرّر لَديْه هُو أقوى مِن أن يُبْرَز لِقَارئه ، وحيْنَمَا تَشْعُر بِوجُود المُبَرّر لَك أن تَهِيْم َ حَتّى تَجِدَه !
لَوْ شِفْتْ !! زِيفٍ للصّراحَهْ !! وِشْ مَلأ عِيِنْ الْجُعَبْ!
قٌلْ لَلْمَلاعِيِنَ ! الْحَصَىَ فِيِهَا ! عَجَبْ عَمْرَةْ نَعِيمْ!!
هُنَا
يْنفِي عَن نَفْسِه الزّيْف حَتّى فِي الأمْر اليَسِير ، ويُخْبِرُنا بِصِدْقِه
يا رَاقِئَ !! الْعَشْر الصِّعَابْ ! اِنْفِثْ مَعِيِ مَاءًا وُعَبْ
مِنْ قِرْبِتينَ الْمَنْْعْ لأخٍ !!ضَرَّ الأخْضَرْ!! يَا فَهِيِمْ!
بِاعْتِقَادِي أن هَذا البَيْت أَهَم أبْيَات القَصِيْدة ، فَفِيْه الإيْحَاء بِالمُعَانَاة والّتي أتَت عَليْه بِرَغْم اخْضِرَاره ، وجَعَلَت مِن الجُوعِ مآل!
مِنْ وِينْ اَلاقِي أَرْضِ تِخْلاَ !مْنَ الْغُرابِ !! اِلْيَا نَعَبْ
بَلْ وِينْ أَقَابِلْ رُوُحْ تَقْطِفْ !؟مِنْ سَمَائيِ !! مَاءْ دِيِِِمْ!!
نَعَم ، الغُرَاب ُ مَوجُود ٌ ولايَسْتَطِيْع أن يَُخْفِيْه عَن الكَوْن ، ولَكِن كُل مايُريْدُه هُو اخْتِفَاء صَوْت ُ الغُرَاب فَهُو شُؤم ٌ ولايَأتِي بِخَيْر ٍ أبَدَا ً –وهُنَا يَرْمُز الشّاعِر لِمَن يُزيْدُون مِن ألَمِه ويُشْعِلُون النّار بَيْنَه وبَيْن الآخَر المُقَرّب!
بَل إن ّ الأمْر َوصل بِه ِ إلَى الشّعُور بِانْعِدَام الحَيَاة والمَحَبّة مِن مُحِيْطه ، حَتّى أنّه يَجِد الجَمِيْع كَالغَراب حِيْن يَنْعَب
وهُنَا اسْتِعْرَاض لِثّقَافَة ٍ جَيّدَة للشّاعِر حِيْنَمَا اسْتَخْدَم مُفرَدة "نَعَب" وهِي مُرَادِفَه لِنَعِيْق
مَا لَلْبَنُونْ اذْنُوبْ.!! ما لِلْبَاقِيَاتْ ! أَصْلاً دُعَبْ!!
مَلَّيِتْ أَعِيِشْ؟! وَرَكْعَتِينْ الذّلْ!! فِ/عُيُونَي!!تُقِيمْ؟
هُنَا الإحسَاس بِأنّه لاذَنْبَ لَه أو لِمَن يَهُمّه أمْرُه فِي كُل مَاكَان وتَسَبّب بِالجُوع والتّعَب !
فَهُو يَرى بِأعْيُن مَن حَولّه النّار لِتَكُون نَظْرَتُه إنْكِسَارا وطَلَبَا ً لِمَغْفِرَة ٍ هُو لَم يَرْتَكِب ذنْبَا ً يَسْتَحِق طَلَبَها!
ً
حَدّ الإجَابَهْ!! وأَجْمَعْ الأجْزَااء !!فَ/أيّةْ مُرتَعَبْ!!
مَا يَسْجِدِ لْ/فَاهِم لفَاهُمْ! يِحْمِدَ الرّدْ لِـ/ عَظِيِمْ
الخَوف لايُذْهِبَه ُ إلاّ الإجَابَة والّتي لَطَالمَا أرادَهَا الشّاعِر
مَا اسْتَثْنِي اللّي تَحْتَها جَنّة !! ومَنْ تَلبَسْ كَعَبْ
الْكُلْ يَدْرِي .!! قَلْبي اَبْيَضْ مِنْ كَلامَ الْمُسْتَقِيمْ!
هُنَا يَرْمِي اللّوم لِلْجَمِيْع وبِلا اسْتِثْنَاء ويَتَحَدّث عَن الجَمِيْع بِلا اسْتِثْنَاء فَالألم مِنْهُم جَمِيْعَا ً، والخَطأ مِنْهُم ، وأنّهم يَعْلَمُون بِقَرارَة أنْفُسِهم بَيَاض قَلْبِه ونَقَاء سريْرَته ومَع هَذا لايَزَال يُعَانِي مِنْهُم!
وَاللَّهْ انِّي !! أَسْتَحِيِ اَفِلْ فَلّةَ مِنْ لَعَبْ!
الدّيِِنْ تَقْوَىَ!! مُبْعِدِينَ (الشِّرْكْ) عَنْ / ديْنَ الْعَدِيم!!
أستَطِيْع اللّعب بِحبَال الشّيْطَان ، وأسْتَطِيْع أن أفْعَل مَايُسْعدُني ولَكِن ديْني يَفْرِض ُ عَليّ أن لاأكُون لاعِبَا ً فِي الظّلام وعَلَى حِسَاب الآخريْن
ا
لشّاعِر
يَتَحدّث عَن هَاجِسَا ً يُؤرِقَه ، وكَيْف أن التّعَب وسنين عُمْرِه لَم تُريْحَه ، حَتّى وهُو يُريْد لُقمَة العَيْش يَجِد ُ مَن يَمْنَعَه عَنْهَا بِدْءا ً مِن الأهْل ِ والمُجْتَمَع والوَطن!
لغَة الشّاعِر ثَريّة جدّا ً ، وإن كُنْت أرى أن الشّاعِر في بَعض أبياتِه يَنْهَار كانْهيَار الجَليْد بِلا مُقَدّمات يمَهّدها كَمَا في البيْت الثّالث ، والأخِيْر
وأيْضَا أجِد ُ صِيَاغَته في بَعْض الأشْطُر مُرْتَبِكَة مِثْل)
مَا يَسْجِدِ لْ/فَاهِم لفَاهُمْ! يِحْمِدَ الرّدْ لِـ/ عَظِيِمْ)
و
(قٌلْ لَلْمَلاعِيِنَ ! الْحَصَىَ فِيِهَا ! عَجَبْ عَمْرَةْ نَعِيمْ!!)
و
(تَلْقَىَ الْفِهِمْ لِهْ فَيْ // وهِيِمْ)
النّص يتنَاول فِي مُعْطَيَاتِه الأشياء المَحْسُوسَة شعوريّا ً كالجُوع ، والصّدق ، وثَبَات وفَهْم الدين ،والشّعور الأخوي والاجتْماعي والمحبه والقبول)
خالد العلي
يكتُبُ هَاجِسَا ً يؤْرّقُه في مُعظَم ِ نُصُوصُه ، وهَذا يَعْكِس نُضْج التَجْرُبَة لَديْه
النّص مِن النّصوص الثّريّة بِكُل صِدْق ، وهُو مليء بالصّور الجَمِيْلَة والشّاعريّة مثل
عَن دَمْعتِينْ .!! اِتْيَمَّمَتْ مَرّة عَلَى خَدّ الْيَتيِمْ
و
مِنْ وِينْ اَلاقِي أَرْضِ تِخْلاَ !مْنَ الْغُرابِ !! اِلْيَا نَعَبْ
بَلْ وِينْ أَقَابِلْ رُوُحْ تَقْطِفْ !؟مِنْ سَمَائيِ !! مَاءْ دِيِِِمْ!!
و
مَلَّيِتْ أَعِيِشْ؟! وَرَكْعَتِينْ الذّلْ!! فِ/عُيُونَي!!تُقِيمْ؟
و مَا اسْتَثْنِي اللّي تَحْتَها جَنّة )
وتمنيت لو أنه راجع هذه الصورة:
قَلْبي اَبْيَضْ مِنْ كَلامَ الْمُسْتَقِيمْ
لسْت ُ نَاقِدَا ً ، ولَكِنّي أرَدتُ إبْدَاء رَأيي حَول هَذا النّص الجَمِيْل