قِصصٌ تُروى . - الصفحة 5 - منتديات أبعاد أدبية
 
معرفات التواصل
آخر المشاركات
هــايــكــو (الكاتـب : حسن زكريا اليوسف - آخر مشاركة : تركي المعيني - مشاركات : 299 - )           »          لاَ مِسَاس ... ! (الكاتـب : جليله ماجد - مشاركات : 509 - )           »          ارتداد (الكاتـب : ماجد العيد - مشاركات : 325 - )           »          جُمُوحُ العَاطِفة (الكاتـب : محمّد الوايلي - مشاركات : 1682 - )           »          [ #مَعْرِضٌ وَ تَعْلِيْقٌ ] (الكاتـب : قايـد الحربي - آخر مشاركة : ماجد العيد - مشاركات : 8214 - )           »          تبّت يدين البُعد (الكاتـب : عبدالله العتيبي - مشاركات : 14 - )           »          [ رَسَائِل أُخَوِيّة ] : (الكاتـب : خالد صالح الحربي - مشاركات : 41 - )           »          العيد والغياب!!! (الكاتـب : محمد علي الثوعي - مشاركات : 6 - )           »          غُربة .. (الكاتـب : نوف مطير - مشاركات : 13 - )           »          الهبوب الصلف (الكاتـب : عادل الدوسري - مشاركات : 0 - )


العودة   منتديات أبعاد أدبية > المنتديات الأدبية > أبعاد النثر الأدبي

أبعاد النثر الأدبي بِالْلُغَةِ ، لا يُتَرْجِمُ أرْوَاحُنَا سِوَانَا .

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 07-20-2009, 12:58 PM   #33
فقـد
( كاتبة )

الصورة الرمزية فقـد

 







 

 مواضيع العضو
 
0 ... ترتيل
0 ... واجب
0 ... أجزاء
0 * أبوظبي... ضوء*

معدل تقييم المستوى: 18

فقـد سوف تصبح مشهورا في وقت قريب بما فيه الكفاية

افتراضي


عينا كلب أزرق/ غابرييل غارسيا ماركيز


ثمَّ ، نظرتْ إليّ. في البداية اعتقدتُ أنها تراني للمرة الأولى، لكنها عندما استدارت خلف الموقد، وشعرت بنظراتها المراوغة تنزلق على ظهري، وتعبر فوق كتفي... عندها أدركتُ أنني من يراها للمرة الأولى!

أشعلتُ سيجاراً وسحبتُ نفساً عميقاً وقوياً من الدخان قبل أن أدير المقعد لأجعله يتزن على ساق خلفية واحدة، وبعدها أصبح بإمكاني مشاهدتها حقاً، كما كانت... تقف بجانب الموقد وترمقني، كل ليلة. لدقائق وجيزة كان ذلك كلّ ما فعلناه: تبادل النظرات. أنا رمقتُها من مقعدي المتزّن على ساق خلفية واحدة، فيما هي واقفة ويدها الطويلة الساكنة فوق الموقد، ترمقني بدورها. شاهدت الألق الذي انفرج عنه جفناها، كما في كل ليلة؛ فتذكرتُ عادتي في أن أقول لها : (عينا كلبٍ أزرق). وبدون أن ترفع يدها عن الموقد قالت: (تلك العبارة، لن ننساها أبداً.) . ثم غادرت مكانها وتابعت متنهدة : (عينا كلبٍ أزرق. لقد كتبتُها في كل مكان.)

راقبتها تسير متجهة إلى منضدة التزين، وشاهدتُ صورتها تظهر في المرآة المستديرة ترمقني كلما طالني شيء من الضوء. مستمرة في مراقبتي بعينيها البراقتين كجمر، بدأتْ بفتح العلبة الصغيرة المغطاة بنسيج وردي ذو لآلئ، ثم رشتْ المسحوق على أنفها، كل هذا و أنا أراقب. حين انتهتْ أغلقت العلبة وانتصبتْ معاودة السير نحو الموقد، قالت : (أخشى أنَّ أحدهم يحلم بهذه الغرفة ويستكشف أسراري.) ، ومدت ذات اليد الطويلة المرتجفة فوق الوهج، تلك التي كانت تعمل على تدفئتها قبل الجلوس أمام المرآة. قالت : (أنت لا تشعر بالبرد؟) فأجبت : ( أحياناً ). وعادت تقول : ( يجب أن تشعر به الآن ).

وعندها أدركتُ لِمَ لمْ يمكنني البقاء وحيداً على الكنبة؛ لقد كان البرد هو الباعث على شعوري بالوحدة. قلت: (الآن أشعر به.) ثم استطردتُ : (وهذا غريب لأن الليل صافٍ، ربما سقطت الملاءة). لكنها لم تجد جواباً. مرة أخرى أراها تغادر مكانها لتتجه إلى المرآة، فأدير المقعد لأبقي على ظهري مواجهاً لها. و بدون النظر إليها، عرفتُ ما كانت تقوم به. عرفتُ أنها جلست أمام المرآة مرة أخرى تراقب ظهري الذي حظي بالوقت ليصل إلى أعماق مرآتها، ويُقبض عليه من قِبل نظراتها، تلك التي بدورها حظيت بالوقت لتصل إلى الأعماق و ترجع – كل هذا قبل أن تبدأ اليد دورتها الثانية – حتى أصبحت شفتاها مرسومة بالقرمزي في دورة واحدة من يدها، وهي جالسة أمام المرأة.

في مقابلي ، كنت أتطلع الى الجدار الاملس ، الذي بدا كمرآة عمياء لا يمكنني عبرها النظر إلى تلك الجالسة خلفي ، ولكن بوسعي تخيلها كما لو كانت هناك مرآة معلقة على الحائط تنقل إليّ صورتها ، و قلت ( أنا أراكِ ) . و على الجدار أمكنني أن أراها فعلاً ، كما لو رفعت عينيها إلى المرآة وشاهدتني بظهري المقابل لها على المقعد ، و في عمق المرآة ، وجهي المصوب باتجاه الحائط. ثم شاهدتُها تخفض عينيها ، دون أن تنطق بكلمة. قلت لها مرة أخرى ( أنا أراكِ ). فرفعت عينيها ثانية وقالت: ( هذا مستحيل. ) سألتها عن السبب الذي يجعله مستحيلاً ، و بعيون هادئة و منخفضة أجابت : ( لأن وجهك بإتجاه الحائط ). عندها أدرتُ المقعد ، قابضاً على السيجار في فمي . وحين بقيتُ مواجهاً لها عادتْ إلى مكانها خلف الموقد . هاهي ترفع كفيها فوق الموقد، كما ترفع دجاجة جناحيها ، تدفيء نفسها ، بينما ظلال أصابعها تغطي وجهها ، و قالت : ( أعتقد أني على وشك الإصابة بالبرد. لابد أن تكون هذه مدينة الصقيع. ) أدارت وجهها جانباً ، فتحولت بشرتها من النحاسية إلى الحمراء ، و فجأة بدت حزينة. قالت : ( افعل شيئاً بهذا الصدد.) و بدأت بخلع ملابسها. قلت : ( سأدير وجهي للحائط ) لكنها قاطعتني : ( لا جدوى ، سيمكنك رؤيتي على أية حال ، كما فعلت قبلاً.)
الوهج ينزلق على بشرتها النحاسية فيجعلها تلمع ، قلت لها : ( لطالما أردتُ رؤيتك هكذا ، و بطنك المكسوة بالحفر كما لو تم ضربك.) و قبل أن أدرك كم كانت كلماتي غبية و غير لبقة ، كانت هي قد أصبحت عديمة الحس بماحولها ، مشغولة بتدفئة نفسها قرب الموقد. قالت : ( أحياناً أشعر أني مصنوعة من معدن.) ، و صمتت فيما تحرك كفيها بخفة فوق اللهب. قلت : ( أحياناً ، في أحلام أخرى ، اعتقدتُكِ مجرد تمثال برونزي صغير مقام في زاوية أحد المتاحف ؛ ربما لهذا أنتِ باردة.)
- ( في بعض الأوقات ، عندما أنام على قلبي ، أستطيع أن أشعر بالفراغ يكبر في جسدي ، بشرتي تصبح رقيقة كصفيحة معدن ، ثم عندما يزداد تدفق الدم ، أشعر بالقرع في داخلي. كما لو أن شخصاً يناديني بالطرق على معدتي ، يصبح حتى بوسعي سماع صوت النحاس خاصتي في الفراش، يبدو مثل – ماذا يسمونه ؟ - المعدن المصفح.)
ثم سكتت و اقتربتْ أكثر من الموقد . قلتُ لها : ( أحبُّ أن أسمعكِ).
- ( اذا استطعنا العثور على بعضنا يوماً ، ضع أذنك على أضلعي عندما أنام على جانبي الأيسر ، و ستسمعني أقرع. لطالما أردتكُ أن تفعلها يوماً.)

سمعتُها تلهث بقوة فيما تتحدث. قالت أنها لسنوات لم تفعل شيئاً مختلفا ً؛ وهبتْ عمرها للبحث عني في أرض الواقع. ودليلها الوحيد إليّ كان تلك العبارة : ( عينا كلبٍ أزرق ). سارت عبر الشارع و صرخت عالياً بها ، أرادت أن تخبر ذلك الشخص الوحيد القادر على الفهم : ( أنا الشخص الذي يزورك في أحلامك كل ليلة ، ليقول لك : عينا كلبٍ أزرق ). كانت تذهب إلى المطاعم ، و قبل أن تطلب شيئاً تقول للنادل : ( عينا كلبٍ أزرق ) لكن الندل جميعهم كانوا ينحنون مجاملين باحترام ، دون أن يتذكر أحدهم أنه قال تلك العبارة في أحلامه قط. بعدها لجأتْ إلى الكتابة على الشراشف أو الحفر بسكين على أسطح الطاولات المصقولة : ( عينا كلبٍ أزرق ) . و على النوافذ المتشحة بالضباب جميعها ، نوافذ الفنادق ، و المحطات ، و جميع المباني الحكومية ، خطتها بسبابتها : ( عينا كلبٍ أزرق ).
قالت أنها ذات مرة دخلت محل صيدلة ، شمّت هناك ذات الرائحة التي شمتها مرّة في غرفتها ، بعد أن حلمتْ بي ، ذات ليلة. قالت لنفسها : ( لابد أنه قريب ) و بعد أن تفحصت القرميد الجديد النظيف اتجهت للصيدلي و قالت : ( أحلمُ كل ليلة برجلٍ يقول لي : عينا كلبٍ أزرق. ) يومها حدق الصيدلي بعينيها ثم قال : ( بالواقع يا آنستي ، إن لك عيوناً كتلك بالفعل.). قالت له : ( عليّ أن أعثر على الرجل الذي قال لي هذه الكلمات حرفياً ، في أحلامي.) لكن الصيدلي بدأ بالضحك ثم اتجه للزاوية البعيدة من منضدة العرض. بقيتْ ترمق القرميد النظيف و تشم تلك الرائحة المميزة ، ثم فتحت حقيبتها و أخرجت حمرة شفاهها القرمزية و كتبت بحروف مُحمرّة : ( عينا كلبٍ أزرق.). و حين عاد الصيدلي قال لها : ( سيدتي ، لقد لوثتِ القرميد.) ثم أعطاها قطعة قماش رطبة مستطرداً : ( نظّفيها الآن).
و تابعت الحديث من موقعها بجوار الموقد ، لتقول أنها أمضت طوال فترة ما بعد الظهر جاثية على أربع ، تنظف القرميد و تردد دون انقطاع : ( عينا كلبٍ أزرق.) حتى تجمع الناس عند الباب و قالوا أنها مجنونة.

و الآن بعد أن توقفتْ عن الكلام ، كنتُ ما أزال جالساً في الزاوية ، أتأرجح فوق المقعد. قلت لها : ( في كل يوم أحاول تذكر العبارة التي ستقودني اليكِ ، و الآن أعتقد أني لن أنساها. لكني لم أفتأ أبيّت النية ذاتها ، و عندما أستيقظ أكون قد نسيت الكلمات التي تمكنني من العثور عليكِ ).
- (أنتَ من ابتكرها في اليوم الأول).
- ( لقد ابتكرتُها لأني شاهدت عيناكِ الرماديتين ، لكن لم يكن بوسعي أبداً التذكر في الصباح التالي).
بقبضة مطبقة مرفوعة فوق الوهج ، تنهدتْ بعمق ، وقالت : ( لو أن بوسعك على الأقل أن تذكر الآن اسم المدينة التي كتبتُ بها تلك العبارات. )
أسنانها المتراصة المنتظمة تعكس وميض اللهب ؛ قلت لها : ( أودُّ لو ألمسكِ الآن.)
رفعتْ وجهها الذي كان مسلّطاً على الموقد ، رفعتْ أنظارها الملتهبة ، الدافئة في الآن ذاته ، تماماً مثلها و مثل يديها ، و شعرتُ بها ترمقني ، في الزاوية حيث أجلس متأرجحاً فوق المقعد. نطقت : ( لم تخبرني بهذا قبلاً)
- ( أنا أقولها لكِ الآن ، و هي الحقيقة. )
و من الجهة الآخرى خلف الموقد ، طلبَتْ سيجاراً. عندها شعرتُ بسيجاري الذي توارى بين أصابعي ؛ كنتُ قد نسيت أني أدخنُ واحداً. قالت : ( لا أدري لم لا يمكنني التذكر .. أين كتبتُها تلك العبارات)
- ( للسبب نفسه ، غداً لن يكون بوسعي تذكر الكلمات)
و بحزن قالت : ( لا . أحياناً أفكر أني ربما أكون قد حلمتُ بتلك الكتابة أيضاً.)

وقفتُ ، وسرت باتجاه الموقد ، حيث تجلس هي خلفه ، حاملاً السيجار و عود الثقاب في يدي ، التي لن يكون بوسعها الوصول الى ما خلف الموقد . مددتُ لها السيجار فوق الموقد فالتقطته بشفتاها ، ثم مالت على اللهب قبل أن يتاح لي الفرصة لإشعال عود ثقاب. قلت لها : ( في مدينة ما في العالم ، على كل الجدران ، لابد أن تلك الكلمات مكتوبة : عينا كلبٍ أزرق. و اذا تذكرتُها في الصباح فسيكون بإمكاني العثور عليكِ.) . رفعت وجهها ثانية عن الموقد ، بسيجار مشتعل بين شفتيها. همستْ : ( عينا كلبٍ أزرق) ، و بدأت تسترجع الذكرى فيما تذر الرماد ، و عينها نصف مفتوحة. نفثت الدخان ، قبضت على السيجار بين أصابعها و استطردت : ( شيءٌ قد اختلف الآن . بدأتُ أشعر بالدفء.) قالتها بصوتٍ فاتر و سريع ، كما لو أنها لم تقلها حقاً. كما لو أنها كتبتها على قطعة ورق و قربتها من النور فيما أقرأ : ( بدأتُ اشعر بالدفء) ممسكة اياها بسبابتها وابهامها ، قبل أن تبدأ بلفها وإتلافها ، و فيما أنا بالكاد أكمل القراءة ( .. دفء) كانت قد صيرتها كرة و ألقتها إلى النار ، لتصير خيوطاً من رمادٍ و وهج.
قلتُ لها : (هكذا أفضل. أحياناً يُشعرني مرآكِ ترتجفين بجوار اللهب ، بالخوف).

كانت قد مرت سنين طوال علينا و نحن مستمرين في رؤية بعضنا . في بعض الأوقات عندما نكون معاً ، شخصٌ ما كان يلقي ملعقة بالخارج ، و كنا عندها نستيقظ. وببطء أدركنا أن صداقتنا كانت خاضعة للأشياء الخارجية ، لأبسط حدث. لقاءاتنا جميعها انتهت بالطريقة ذاتها ، سقوط الملعقة ، حالما يحلّ الفجر. و الآن ها هي بجوار الموقد تحدق بي ، مما يجعلني أتذكر أنها نظرت لي بالطريقة ذاتها في الماضي أيضاً ، منذ ذلك الحلم البعيد ، حين جعلت المقعد يدور على ساق خلفية واحدة ، و بقيت أحدق في إمراة غريبة ذات عيون رمادية. لقد حدث عندها ، في ذلك الحلم أن سألتها للمرة الأولى : ( من أنتِ ؟ ) و أجابتني : ( لا أتذكر. ) و عدت أقول لها مصرّا : ( لكني أعتقد أننا شاهدنا بعضنا قبلاً . ) و بغير اكتراث جاءني جوابها :

- ( أعتقد أني حلمتُ بكَ مرة ، و بهذه الغرفة ذاتها)
- ( صحيح . لقد بدأتُ أتذكر الآن)
- ( يا للغرابة . من المؤكد أننا التقينا قبلاً ، في أحلام أخرى. )

سحبتْ نفسين من السيجار. كنتُ لم أزل واقفاً أمام الموقد ، و فجأة وجدتني لا أنفك عن التحديق بها، ارتفاعا و هبوطاً ، كانت لم تزل نحاسية. ليس ذاك النحاس القاسي البارد ، بل كان نحاسها أصفراً ، ناعماً ، و لين. و قلت لها ثانية : ( أودُّ لو ألمسكِ الآن).
- ( ستفسد كل شيء).
- ( لم يعد مهماً. كل ما علينا فعله هو قلب المخدة ليتسنى لنا اللقاء ثانية).
و رفعتُ يدي فوق الموقد ، لكنها لم تتحرك . فقط كررت الجملة ذاتها ( ستفسد كل شيء.) ، قبل أن أتمكن من لمسها.
قالت : ( ربما إن استطعتَ الوصول إلى خلف الموقد ، سيكون بإمكاننا أن نستيقظ معاً ، من يدري في أي بقعة من العالم).
- ( لم يعد مهماً.)
قالت : ( ان استطعنا قلب المخدة سيكون بامكاننا اللقاء ثانية ، لكنك عندما تستيقظ ستكون قد نسيت على أية حال.)
كنتُ قد عاودتُ سيري تجاه الزاوية ، فيما هي خلفي مستمرة في الإستدفاء بالوهج. و قبل أن أبلغ المقعد سمعتها تقول :
( عندما أستيقظ في منتصف الليل ، أبقى أتقلب في الفراش ، حاشية المخدة تحرق ركبتي ، لكني أبقى أردد حتى الفجر : عينا كلبٍ أزرق).
قلت لها و أنا أحدق في الجدار ، كما كنتُ قبلاً : ( إنه الفجر فعلاً.) ، و واصلتُ دون الإلتفات إليها : ( عندما قرعتْ الساعة الثانية بعد منتصف الليل كنتُ مستيقظاً ، و لكن ذلك كان منذ وقتٍ بعيد.)
اتجهتُ للباب و حين أوشكتُ على لمس المقبض ، جاءني صوتها مجدداً ، بذات الثبات : ( لا تفتح ذلك الباب.) و تابعتْ بعد صمت ( إن الرواق مليء بالأحلام المبهمة.) سألتُها : ( ما أدراك؟ ) و أجابت : ( لأني كنتُ هناك بالفعل قبل لحظةٍ مرت ، لكني عدت إلى هنا حين اكتشفت أني نائمة على قلبي).
كنتُ قد فتحت الباب تقريباً ، و من الفرجة الصغيرة جاءني نسيم بارد ناعم حمل لي رائحة منعشة للأرض المخضرّة و الحقول الندية. عادتْ تتحدث لكني واصلتُ فتح الباب و قلت لها : ( لا أعتقد أن هناك أي رواق في الخارج ، أني اشم رائحة الريف).
- ( أنا أدرى بهذا خيراً منك . هناك إمرأة بالخارج تحلم بالريف.) و عقدتْ ذراعيها فوق اللهب متابعة : ( إنها تلك المرأة التي طالما تمنت أن يكون لها بيت بالريف ، لكنها لم تكن قادرة قط على مغادرة المدينة.)
عندها تذكرتُ رؤيتي لتلك المرأة في بعض أحلامي السابقة ، لكني أدركتُ أيضاً ، فيما الباب شبه مفتوح، أن أمامي نصف ساعة قبل أن يتوجب عليّ الذهاب لتناول افطاري. لذا قلت : ( على أية حال ، يجب عليّ أن أغادر هذه الغرفة ، استعدادًا للإستيقاظ ).

في الخارج عوت الريح للحظة ، ثم هدأت، و أصبح بإمكاني سماع الأصوات الناجمة عن تنفس شخص نائم ، انقلب في فراشه للتو. النسيم القادم من الحقول توقف و لم يعد هناك روائح . قلت لها : ( في الغد سأتذكرك بهذا ؛ عندما أسير في الشارع و أشاهد امرأة تكتب عبارة ( عينا كلبٍ أزرق ) على الجدران. ) قالت فيما ارتسمت بسمة حزينة على شفتيها - بسمة مذعن للمستحيل - : ( رغم ذلك لن تتذكر شيئاً أثناء النهار. ) و عادت تضع كفيها فوق الموقد فيما تغيب ملامحها وسط غمامة أسى .
( أنتَ الرجل الوحيد في العالم ، الذي لا يتذكر شيئاً مما حلم به ، حين يستيقظ . )

 

التوقيع

لماذا أكتبُ كلَّ جملةٍ في سطر؟
لا أدري،
ربَّما لأنَّه التَّوزيع البصري للكلمات بهذا الشَّكل
يُريحني،
ويُبهجني،
وربَّما لأنَّها البعثرة تُعجبني أكثر.

محمد البلوي/ تحت الأزرق بقليل

فقـد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 08-06-2009, 05:24 AM   #34
عائشه المعمري

كاتبة

مؤسس

افتراضي ماهر الزدجالي


بقايا سرير!

في الغرفة 101 كان كل شيء من حولي مثاليا, فالأثاث الإيطالي الماركة كان فخما وأنيقاً، والسجادة حمراء مصنوعة في
إيران تغوص فيها القدم، وهناك أيضا شاشة تلفزيون بلازما تبعث السرور والبهجة من خلال قنواتها التي لا يمكن
للعاديين إلا الدفع لها كي يطالعوها!

الأهم من كل ذلك هو أنني مزدوج وعريض وجوانبي مخملية، وسيحبني كل من سيدخل الغرفة ذات النجوم الخمسة.. سيتخيل نفسه وكأنه في إيطاليا مباشرة، لكنني سأخبرك عن أهم من جاءني، لعل هذا الأمر يثيرك ويزيح عنك الحزن قليلا..

كنت قد سئمت طول الانتظار، إذ مكثت شهرا أنتظر أن يضعوني في المكان المناسب، ولكنهم تأخروا لأن الغرفة الساحرة كانت تحتاج إلى صيانة دقيقة، ويبدو أنني جئت باكرا أو بالأحرى أحضروني باكرا.. كنت أسمعهم يقولون بأن الغرفة التي تصان هي من أهم الغرف لموقعها المطل على البحر.. كم أحب هذا المنظر الساحر!
ربما لم يخطر ببالك أن تكون مطلا على مشاهد مغرية كالتي كنت أطل عليها، ولكن هذا لا ينبغي أن يثير ضغينتك ضدي،
فالنهاية لا أحد يعرفها، وأنا الآن جوارك أحكي لك بعضا من حياتي الجميلة..

بعد أن تم كل شيء كان علي أن أنتظر بعض الوقت، حتى قرر أحدهم على ما يبدو أن يأخذ الغرفة.. وها أخيرا أسمع
المفتاح الإلكتروني وهو يدخل في مكانه المخصص معلنا فتح الباب، وها أخيرا الباب ورأيت رجلا يدخل من الباب وخلفه
عامل الفندق يضع له الحقيبة، ولم يكن معنيا به.. كان يتحدث في الهاتف النقال وهو يلف في الغرفة دونما أن يتأملها..
غادر العامل، ثم فجأة أحست بجسد ثقيل يجثم على صدري، لم أكن أتوقع ذلك الحجم ولكن في النهاية كان علي أن أصمت
ولا أتأفف خاصة إنني في أول يوم خدمة فعلية..

لا يغرنك مظهري الآن فقد كنت قويا بما فيه الكفاية لأحمل عدة أشخاص في آن، يساعدني في ذلك أطرافي المصنوعة من
الخشب الإيطالي المعروف والمطرز بالمخمل، وكنت عريضا ومريحا جدا وأتسع لشخصين معا..
المهم، قال الرجل السمين:
ماذا أفعل الآن؟

كل صفقات الأراضي فاشلة! ومن الفشل باع لي أحدهم أرض مقبرة! واليوم؟ بعدما اشتريت كل هذه الأراضي القريبة من
المشروع تقول بأن المشروع تم تأجيله إلى أجل غير مسمى؟ وبأن الأراضي صارت لا تساوي شيئا؟ حتى إني لا أستطيع
أن أعيد أموالي؟ لماذا؟؟

كان صوته عاليا وحادا.. ومما فهمته أنه خسر للتو صفقة كبرى.. لكن أمثالهم كما تعرف لا يكفون عن المحاولة، وبرغم
حدة صوته إلا أنه قال لمحدثه على الطرف الآخر:
لكن هذا حال السوق.. كلنا يعرف بأن هذا الأمر محتمل، ولذا فإني أملك مشروعا أفضل بكثير مما كان! سأعيد كل ما ذهب
مني في غمضة عين، سنؤسس محفظة مالية، وندعو الناس للمساهمة فيها، وبالطبع فالأرباح خيالية والأرباح هي من
سيأتي بالناس، فالناس تواقون للثراء السريع الذي لا يأتي بالتعب! هل فهمت الآن ماذا سنفعل؟

كنت أستمع إلى كل تلك المعلومات الخطيرة ولا لسان لي كي أبدي رأيا، وبالأساس لا أعرف كيف سيضع كل المال في
محفظته التي وضعها عليّ في تلك اللحظة وهو يخلع ملابسه؟..
لكنني في الأيام التالية كنت أرى بأن له محفظة كبرى، تقبع في الدرج المحاذي لي وفي آخر يوم له في الغرفة أفقت على
وقع خطواته الثقيلة وعلى غير المتوقع كان نشيطا وفي لحظات كانت حقيبته السوداء جاهزة وكذلك الأموال في حقيبة
أخرى صغيرة..

وبعد لحظات كانت العاملات يقمن بتنظيف الغرفة وحظيت بعناية خاصة وشراشف جديدة أسعدتني كثيرا، ثم في مساء نفس
اليوم سمعت صوت الباب الذي اعتدت عليه وعلى ذلك الصوت المميز الذي يصدره كلما وضع المفتاح في القفل الإلكتروني..
هذه المرة كان الداخل علي رجل وامرأة جميلة جدا ترتدي فستانا أبيض وطرحة طويلة، فابتسمت.. كانا عروسين ويبدو
أنها ليلتهم الأولى، فما أجمله من شعور أن أحظى بشرف ليلة حميمة خاصة بين عروسين شابين مملوءين بالحياة!

لكنهما خيبا ذلك الأمل الذي تأملته، فالفتاة العروس ظلت تبكي طويلا وكان يبدو أنها مرعوبة من الآتي، مما سيحدث بعدما
خلعت رداءها الأبيض الجميل! وبرغم محاولات الزوج الشاب المتكررة لاستمالتها، إلا أنها كانت تبكي وتبكي، وهو لا يرى
سوى الصد منها، حتى أصابه اليأس، فتحول إلى شخص آخر نقيض.. ويبدو أنه كان يحلم بهذه اللحظة بأي طريقة كانت،
لكنه انزوى في الشرفة يتأمل البحر المعتم إلا من أضواء العبارات الخاصة، وأخذ يدخن بشراهة..

في صباح اليوم التالي كان الزوج الشاب يحاول أن ينسي زوجته الجميلة ما حدث في الليلة السابقة، لكنها كانت صامتة
ولم تنم من الليل.. كانت مرعوبة ولا تتحدث، وكأنه كان يكلمني أنا، وعندما رأى أن الأمر لن يؤدي إلا نتيجة قلب وجهه
مجددا، وبدأ يدخن.. ثم قال لها: هيا سنعود إلى البلاد!

بعد أيام من رحيل العروسين البائسين سمعت الصوت الأثير إلي، وهذه المرة أيضا كانا رجل وامرأة ولكنهما لم يكونا
عروسين، فهي لا ترتدي فستانا أبيض..

كانا هذان الاثنان مختلفان، فهما لم يتكلما، بل بسرعة كانت ملابسهما ملقاة على السجادة الفارسية، وبسرعة كانا يقفزان
فوقي، وكان صوت مفاصلي يزداد أنينا كلما التحما!

بعدما أنهيا عملهما الحميم كانا يتنهدان، ثم دار بينهما حديث علمت منه أن المرأة كانت تعمل في إحدى المؤسسات
الحكومية وهي تعيش وحيدة في المدينة دون زوجها المغترب هو الآخر في بلاد أخرى.. أما الرجل فيعمل في شركة وهو
الآخر يحس بالتعب لأن زوجته لا تعيره أي اهتمام، لذلك عندما تعرفت عليه في أحد المراكز التجارية المشهورة تمسك
بهذه العلاقة التي ستخلصه من التوتر والأرق!

سمعته أيضا يحدثها عن وضعه المالي وحاجة أمه للعلاج وإنه لا يملك من المال سوى القليل والعيد يطرق الأبواب وهو
يعيل إخوانه الصغار وقالت له المرأة عندي خمسين ريالا سأعطيك إياها ورد الرجل: سأقترض من أصدقائي
فما كان منها إلا أن أخذت تقبله في أذنه ورقبته وهي تقول له: أنا أقرب من كل أصدقائك!

..................................
...............................
كيف وصلت هنا؟ سأخبرك يا صديقي.. في يوم من الأيام كان أحد النزلاء قد انتهى من حفلته الخاصة وغادرت الغانية التي
كانت برفقته، وكان وقتها ثملا ويدخن سيجارا وهو نائم أو بالأخرى شبه نائم.. كان يحمل في يد سيجاره وفي الأخرى
زجاجة الويسكي غالية الثمن، وفيما هو في سكرته تلك سقطت الزجاجة علي، وانسكب ما فيها ملطخا الشراشف وكل
شيء، ولكن تلك مشكلة يمكن أن تحل، غير أن السيجار الكوبي الفاخر أيضا سقط عليّ فيما هو يدخل في أجواء النوم
النهائية..

يمكنك أن تتصورما حدث، فالنيران التهمت كل شيء، وأنا في المقدمة، ولم يكن لي لسان لأصرخ وأقول أنقذوني، أو لا
أنقذوا هذا المسكين الذي كانت النيران تلتهمه فيما هو ما يزال نائما في سكرته!
لحسن الحظ أن النيران لم تأكل الفندق كله، وعندما أخمدت كنت كما تراني الآن: بقايا سرير!
هذه هي حكايتي، لكن ما هي حكايتك أنت أيها السرير الحديدي؟!




* القصة الفائزة بالمركز الثاني في الملتقى الأدبي الخامس عشر لـ الشباب 2009
بـ سلطنة عمان

 

عائشه المعمري غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 03-23-2010, 06:00 PM   #35
شمس
( شاعرة وكاتبة )

افتراضي بقلمي / شمس


نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


مبروك !

رن جرس الهاتف واذا بصوت نسائي ينساب عبر اسلاكه ويقذف بكلمه اشد من وقع قنبله على مسامعها وقفت صامته مذهوله لا تسمع شيئا سوى ذلك الصوت الذي زف اليها خبر وفاتها ولكنها سوف تظل على وجه الأرض تعيش مع تلك الكائنات من البشر بلا روح نعم اخبرتها تلك المرأه ان زوجها قد تزوج بأمرأه أخرى هل يوجد خبر اشد صدمه من هذ الصدمه فهي قد عاشت له ومن أجله لم تبتسم بوجه أي شخص آخر في غيبته عنها عجبا أن يكون هذا جزاء كل ما فعلت من اجله تنكر لكل شيء في لحظه والمؤسف انه كان قبل زواجه بأيام يحدثها عن المستقبل وتلك الحياة الورديه التي عاشت هي بها في الخيال فقط ما أقسى هذا الأنسان لقد اخلصت بكل مافي هذه الكلمه من معنى .... رباه .. فكيف يصل الى هذا المستوى المتدني لقد قتلت هذه المرأه بسكين الغدر من أعز الناس هكذا ودون سابق انذار .....


حملت روحها على كفها وجعلت قلبها النازف تحت حذائها وذهبت الى ذلك المكان ودخلت من ذلك الباب الكبير حيث رأت جموعا من الناس ضاحكه مسروره مهنئه والأنوار تملأ المكان والأصوات تتعالى بالأغاني والأهازيج وقفت جسدا بلا روح وسط هذه الأفواج غريبه.... حائره ...مطعونه ...تنظر وفي عينيها دمعتان كأنهما لؤلؤتان رفضتا النزول على خديها حفاظا على مابقى من اشلاء كرامتها وانسانيتها المعذبه وقفت وجسدها يرتجف من هول ما اصابها لكن هولها مما هوا قادم اشد تصميما لذا بقيت حتى خرجت كوكبه من المطربات فاخذ قلبها يرتجف مع كل صوت يصدح عاليا واحست بدوار رهيب يلف رأسها وتماسكت واخرجت منديلا من حقيبتها تمسح دمعه ابت ان تقاوم تلك المشاعر الجياشه مسحت وجهها ثم نظرت الى تلك الكوكبه ماعساها تضم في صفوفها ؟! نظرت فاذا هو يمشي وسط ذلك الحشد وهو ممسك بيد عروسه نعم كان كل ما يلبسه ابيض لكن قلبه كان اسود !! .. لم يعرف الحب طريقه اليه ....جلس مع عروسه في المنصه المخصصه لهما يخاطب عروسه خطابا هامسا وهي تبتسم لذلك الحديث ....قالت في نفسها ربما تكون هذه المسكينه ضحيه او ربما يقول لها ما قاله لي بالأمس حبست غيرتها ودموعها ثم تماسكت وخطت اول خطوه لها منذ وطئت قدماها هذا المكان نحوه ثم مدت يدا مرتجفه مصافحه ومهنئه عندما رآها ارتبك وتغير لون وجهه الى الوان قوس قزح قالت له في كبرياء وانتصار : مبروك
لم يجد كلمه يرد عليها عندما رأى على محياها ابتسامة المنتصر فقد عرف فيها الحب الصادق والعطف والأخلاص بعدها انصرفت وهي تشعر بالزهو الفخر لأنها اكبر من غدره وخيانته ومن صدمات العواطف !!




نشرت بتآريخ
6/ 7/ 1429



 

شمس غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 04-03-2010, 04:46 PM   #36
قمر
( عِطْر فَانَّيْلا ؟؟؟ )

افتراضي قصة مدينتين - تشارلز ديكنز


نقلاً عن نقل من كتاب ( روائع الادب العالمى فى كبسولة ) لمختار السويفى / مكتبة الدار العربية للكتاب


قصة مدينتين - تشارلز ديكنز
A Tale of Two Cities





انكسر برميل مملؤ بالنبيذ الاحمر فى احد شوارع حى (سانت انطوان ) الذى يعتبر من افقر احياء مدينة باريس و اكثرها بؤسا .. وعلى الفور ترك جميع الناس اعمالهم واسرعوا الى حيث تحطم البرميل .. واخذوا يحاولون شرب قطرات النبيذ قبل ان تبتلعها الارض , وخلع بعضهم ثيابه واخذ يغمسها فى النبيذ المسكوب ثم يعصرها فى فمه ..

وعلى ناصية الشارع كان هناك حانة فقيرة يقف امام بابها صاحبها .. ( المسيو ديفارج )
بينما كانت زوجته ( مدام ديفارج ) منهمكة بشغل الابرة بداخل الحانة .. وبعد لحظات وصل رجل عجوز هو ( مستر جارفيس لورى ) ومعه شابه صغيرة اسمها الانسة لوسى مانيت .. ولهذه البائسة قصة غريبة بدأت فى طفولتها .. حين ماتت امها .. وبعد ان اختفى ابوها الدكتور مانيت .. ولم يعد احد يعرف مصيره .. وقد ارسلت الطفلة لوسى الى انجلترا .. حيث كان ابوها يحتفظ بأمواله فى بنك انجليزى هو ( بنك تلسون )

[COLOR="darkred"]وتم تعيين المستر جارفيس لورى الذى كان يعمل بنفس البنك والذى كان صديقا للدكتور مانيت .. وصيا على هذه الطفلة وتولى العناية بمنشئتها وتعليمها .. وقد استعان المستر لورى بسيدة انجليزية تدعى ..مسز بروس .. لتقوم بتربية الطفلة ورعايتها .. فقامت هذه السيدة بواجبها خير قيام ..حتى اصبحت بمثابة الام للطفلة اليتيمة .. ومرت السنوات الطوال واصبحت الطفلة لوسى شابة رقيقة جميلة [/COLOR



]كان الجميع يظنون ان الدكتور مانيت قد توفى بعد ان انقطعت اخباره .. ولكن اخبارا جديدة وصلت تؤكد ان الدكتور مانيت مازال حيا .. وانه كان مسجونا بسجن الباستيل بباريس .. وقد اطلق سراحه اخيرا وانه الان فى رعاية المسيو ديفارج .. صاحب الحانة والذى كان يعمل من قبل فى خدمة الدكتور

لذلك فقد جاءت الانسة لوسى مانيت ومعها المستر لورى .. للقاء بوالدها وبحث احواله .. التى سمعت انها سيئة الى حد كبير , واخذهما مسيو ديفارج الى حجرة صغيرة بأعلى الحانة .. وما ان فتح باب تلك الحجرة حتى اصيبت لوسى بالخوف والهلع .. حين رات اباها الدكتور وقد ابيض شعره وانحنى ظهره .. وكان منهمكا فى صناعة الاحذية مستخدما منضده صغيرة عليها عدده وادواته

كان منظر الدكتور فى غاية البؤس ,, وهو منكب على على صناعة حذاء حريمى لدرجة انه لم يلحظ احدا ممن دخلوا الى حجرته يريدون الحديث معه

تقدم صديقه العجوز مستر لورى .. اليه .. وسأله فى صوت هادىء الا تذكرنى .. فلم يرد وسأله .. ما أسمك .. فقال بصوت ضعيف .. اسمى مائة وخمسة البرج الشمالى وكان يشير بهذا الى رقم الزنزانة التى سجن فيها بسجن الباستيل الرهيب

وسأله هل كانت صناعة الاحذية هى حرفتك بالسجن .. واخيرا قال مستر لورى .. يا صديقى الدكتور مانيت الا تذكرنى ؟ انا جارفيس لورى .. صديقك الموظف ببنك تلسون بأنجلترا

نظر اليه الدكتور المسكين بضعف وانكسار .. ثم انهمك من جديد فى صناعة الحذاء .. وعندئذ اقتربت منه ابنته لوسى وملء عينيها العطف والشفقة ..ووضعت يدها بحنان فوق ذراعه .. فالتفت اليها وسألها هل انت ابنة سجانى فى الباستيل ؟.. ثم بدأ ينظر اليها فى اهتمام .. ويتحسس شعرها الذهبى ويبدو كما لو انه افاق على حقيقة غريبة .. ومد يده الى صدره .. واخرج قطعة ملفوفة منالقماش .. يحتفظ بداخلها ببضع شعيرات ذهبية .. واخذ يتفحصها ويقارنها بشعر لوسى وبدت على وجهه كل مظاهر الحيرة ..



وهنا قالت لوسى بعد ان ضمت راس ابيها الى صدرها .. ستعرف من انا فيما بعد .. ولكنى ارجوك الان ان تمنحنى بركاتك .. وان تشكر الرب على نجاتك من تلك المحنة الرهيبة .. سأخذك معى الى انجلترا لتعيش فى سلام .. وذهب مستر لورى ومسيو ديفارج للإعداد لرحلة السفر الطويلة .. وبقيت الانسة لوسى مع والدها الدكتور مانيت .. الذى نام على ذراعها كطفل صغير برىء .. وعندما عاد الرجلان ايقظاه والبساه ملابس جديدة .. ووضعت لوسى يدها فى يده و ساعدته على نزول درجات السلم ..


وفى محكمة اولد بيلى بلندن .. انعقدت جلسة خاصة لمحاكمة شخص يسمى ( تشارلس دارنى )
كان متهما بجريمة .. مساعدة اعداء ملك انجلترا بناء على شهادة الشهود الذين كانوا حاضرين بالجلسة .. وكان الدكتور مانيت وابنته لوسى ضمن هؤلاء الشهود .. الذين ذكروا انهم شاهدوا المتهم على ظهر السفينة التى كانت مبحرة من فرنسا الى انجلترا .. وحاول النائب العام ان يثبت بكل الطرق ان المتهم قد ارتكب تلك الجريمة .. ولكن مستر سترايفر محامى المتهم قد فند اقوال جميع الشهود وافسد شهادتهم واوضح عدم كفايتها ..وبذلك انتهى المحلفون الى قرارهم بأن المتهم غير مذنب ..

ولكن الانسة لوسى تأثرت جدا واغمى عليها .. لانها شعرت بأن شهادتها التى ذكرتها امام المحكمة .. رغم انها لم تكن تدين المتهم الا انها قد تتسبب فى ايذائه .. وذلك بالرغم من ان تشارلس دارنى هذا .. كان نبيلا فى تصرفه معها .. بل وساعدها كثيرا فى رعاية والدها اثناء الرحلة على ظهر السفينة .. وكان من الواضح ان شيئا ما من العواطف الرقيقة قد ربط بين الاثنين .. تشارلس دارنى ولوسى مانيت ..

سيدنى كارتون هو مساعد المستر سترايفر المحامى .. وقد بذل جهدا كبيرا فى المساعدة اثناء نظر القضية .. حتى حكم فى النهاية ببراءة مستر دارنى من التهمة التى كانت موجهه اليه ..ومن الغريب ان مستر كارتون يحس بشىء من عدم الارتياح للعلاقة بين مستر دارنى ولوسى مانيت ..
وكان الدكتور مانيت قد عاد الان الى حالته الطبيعية تماما .. واخذ يمارس مهنة الطب فى لندن .. ويقابل مرضاه فى البيت الذى استأجره هناك .. ومع ذلك فقد كان الجميع يعاملونه بلطف شديد .. خوفا من ان تعود اليه حالة فقدان الذاكرة التى انتابته حينما كان مسجونا بالباستيل بباريس ..
وكان اكثر الضيوف ترددا على منزل الدكتور مانيت وابنته هم المستر كارتون والمستر لورى .. والمستر تشارلس دارنى ..

بعد عدة شهور من رحيل الدكتور مانيت الى انجلترا .. وقعت احدى الحوادث البشعة فى مدينة باريس .. حيث داست عجلات العربة الفخمة ..التى كانت يستقلها الماركيز ايفرموند .. على طفل صغير فقتلته .. لقد كانت العربة منطلقة بأقصى سرعة فى شوارع باريس ..وحواريها الضيقة المملؤه بالرجال والنساء والاطفال .. من ابناء الشعب الفرنسى الفقير البائس .. الذين يبدون جميعا كالعبيد امام النبلاء فى فرنسا ..

توقفت عربة الماركيز ايفرموند قليلا .. بعد ان مات الطفل المسكين .. الذى حمله ابوه بين يديه وهو يبكى بكاءا مرا .. لم يهتم له الماركيز الذى اخرج كيس نقوده .. والقى بقطعة ذهبية على الارض كتعويض عن مقتل الطفل المسكين .. وانطلقت العربة بعد ذلك خارجة من باريس.. واتجهت الى الريف حيث وصلت الى المنظقة التى يقع فيها قصر الماركيز .. ايفرموند .. مارة بقرية صغيرة .. يعيش فيها عدد قليل من البؤساء الذين يعانون من دفع الضرائب الفادحة .. التى تفرضها عليهم الدولة والكنيسة .. وكان احد هؤلاء البؤساء هو عامل اصلاح الطرق .. الذى شاهد رجلا غريبا كان متعلقا بسلسلة اسفل عربة الماركيز .. واخبر الماركيز بذلك .. وطلب الماركيز ايفرموند من وكيله مسيو جابيل .. ان يحاول القبض على هذا الرجل ..

واخيرا دخل الماركيز الى قصره .. وقال للخدم انه يتوقع وصول ابن اخيه من لندن الى القصر .. وعرف من الخدم انه لم يصل بعد

وبينما كان الماركيز يتناول طعام عشائه .. وصلابن اخيه .. لقد كان هو نفس الشخص الذى يعيش فى لندن باسم تشارلس دارنى .. بينما اسمه الحقيقى هو تشارلس سانت ايفرموند .. وهو نبيل ينتمى الى تلك العائلة الفرنسية .. التى يرأسها الماركيز .. وكان من الواضح ان الماركيز .. وابن اخيه الذى ترك كل امواله .. واملاكه فى فرنسا كانا على غير وفاق.. وكان الشاب دارنى رافضا تماما تلك الغطرسة التى يتمتع بها نبلاء فرنسا .. فترك فرنسا وعمل فى انجلترا كمدرس للغة الفرنسية ..

وفى الصباح الباكر وجد الماركيز مقتولا بسكين .. مغروس فى قلبه وعلقت به ورقة تقول : هكذا انتقم جاكوس .. ارسلوه سريعا الى قبره ..

وعاد تشارلس دارنى الى انجلترا مرة اخرى .. حيث انتقل للعمل فى جامعة كمبردج كمدرس للغة والاداب الفرنسية .. وبمرور الشهور تمكن الحب من قلبه واصبح يتمنى الزواج من الانسة لوسى .. ابنة الدكتور مانيت .. وصرح لوالدها بأن هذا الحب والزواج ان تم فلن يكون سببا للفراق بين الدكتور وابنته
ولكى يكون دارنى صادقا مع الدكتور فقد اعترف له بأن اسم دارنى ليس اسمه الحقيقى .. بل ان له اسما فرنسيا مختلفا .. فطلب منه الدكتور الا يبوح الان باسم عائلته واسمه الحقيقى .. واكتفى الاثنان بالاقتناع بأنهما فرنسيان خرجا من فرنسا .. لعدم استطاعتهما العيش داخل الاحوال السيئة السائدة الان فى بلدهما و التى تسوء يوما بعد يوم وتوشك على الانفجار من شدة الظلم الواقع على الشعب .. وقبل ان يفترق الاثنان .. وافق الدكتور لمستر دارنى على ان يفاتح لوسى فى حبه لها وطلب الزواج منها ....

ومن الغريب ان المستر كارتون الذى يعمل مساعدا لمستر سترايفر المحامى كان يحب لوسى مانيت هو الاخر.. بل واعترف له بحبه وتجرأ على طلب الزواج منها .. ولكنها اخبرته فى لطف وادب شديد انها تحترمه ولكنها لاتحبه.. ولا تستطيع ان تقبل الزواج منه .. فبكى مستر كارتون من شدة التأثر.. وطلب منها ان تحتفظ بذكرى هذا الاعتراف كسر لا يعرفه احد سواهما .. فوعدته بذلك .. واقسم لها بأنه سيظل مستعدا طول عمره لفدائها وفداء جميع من تحبهم الان ومن سوف تحبهم فى المستقبل ..

وفى فرنسا علم اهالى حى سانت انطوان ..بأن والد الطفل الذى قتل تحت عجلات عربة الماركيز .. قد قبض عليه بتهمة قتل الماركيز .. وشنقوه بنفس القرية التى يقع بها قصر الماركيز ايفرموند .. واصبح من الواضح الان ان مسيو ديفارج .. صاحب الحانة فى حى سانت انطوان يترأس جماعة من افراد الشعب الذين امتلأت قلوبهم بالحقد على طبقة النبلاء .. والذين قرروا فيما بينهم قتل وابادة جميع افراد عائلة ايفرموند ..وان يحرقوا القصر الذى تعيش فيه هذه العائلة النبيلة الظالمة ..


وفى انجلترا تزوج النبيل الفرنسى السابق .. تشارلس سانت ايفرموند ..الذى يعيش فى انجلترا باسم اخر وهو تشارلس دارنى .. من الانسة لوسى مانيت .. وانجبا طفلة جميلة .. وكان يزورهما بين حين واخر .. مستر كارتون ومستر لورى العجوز .. الذى ما زال يعمل فى بنك تلسون لندن ..

وفى يوم ما قال المستر لورى ..ان الاحوال قد ساءت جدا فى فرنسا .. وان معظم الملاك والنبلاء الفرنسيين . اخذوا يحولون اموالهم الى انجلترا .. هربا من حالة الغليان التى اصبحت موشكة على الانفجار ..

بل لقد حدث الانفجار بالفعل فى حى سانت انطوان .. وخرج الشعب مسلحا بكل ما وصلت اليه ايادى الناس.. من كل انواع السلاح .. واندفعوا تحت قيادة المسيو ديفارج صوب سجن الباستيل.. وهاجموه واشعلوا فيه النيران واطلقوا سراح المسجونين .. وقبضوا على جميع ضباط السجن وقتلوا مديره .. وطلب المسيو ديفارج من احد الضباط الاسرى .. ان يريه الزنزانة مائة وخمسة البرج الشمالى .. وهى الزنزانة التى كان الدكتور مانيت مسجونا فيها .. وقام هو ورفاقه بتفتيش الزنزانة .. واحرقوا محتوياتها ثم خرجوا الى حيث انطلق الشعب بادئا الثورة الفرنسية .. واخذوا يحطمون كل شيىء بلا رحمة ولا شفقة ..


وانتقلت اخبار الثورة من باريس الى المدن الفرنسية الصغيرة .. حيث اشتعلت الثورة فى كل مكان .. وفى القرية التى يقع فيها قصر الماركيز ايفرموند .. تجمع الشعب واشعل النار فى القصر .. وخصوصا المسيو جابيل الذى كان يعمل وكيلا ومحصلا للضرائب لصالح عائلة الماركيز .. والذى استطاع ان ينجو من الموت والشنق بأعجوبة

وفى لندن كان بنك تلسون الذى يعمل به لورى العجوز مزدحما بالنبلاء الفرنسيين الذين حولوا اموالهم اليه .. وكان البنك بالتالى مصدرا مهما لاخبار الثورة التى اشتعلت فى فرنسا .. واصبح من الضرورى ان يسافر احد كبار موظفى البنك الى فرنسا .. ليحاول انقاذ سجلات ودفاتر فرع بنك تلسون بباريس .. وقرر مستر لورى العجوز ان يذهب بنفسه .. لانجاز هذه المهمة .. وحاول تشارلس دارنى ان يثنيه عن ذلك .. بسبب صعوبة الطريق ومشقة الرحلة الى باريس.. وسط القلاقل والاضطرابات والمجازر واعمال الشنق..التى سادت فى كل انحاء فرنسا ...


وفى هذه الاثناء ,, وقع تحت يد تشارلس دارنى خطاب .. موجه الى تشارلس سانت ايفرموند .. اى ان هذا الخطاب كان موجها اليه هو نفسه .. ولكن لا احد يعلم اسمه الحقيقى .. وقام تشارلس دارنى بفض هذا الخطاب .. وقراءته .. فإذا به يتضمن رسالة كتبها المسيو جابيل .. الذى كان يعمل وكيلا لعائلة ايفرموند .. يبلغه فيها انه مسجون الان فى سجن الابايى .. وينتظر الحكم باعدامه بين حين واخر .. الا اذا عاد تشارلس ايفرموند الى فرنسا وعمل على اظهار براءته واطلاق سراحه.. وفى نهاية الخطاب توسل المسيو جابيل .. وطلب من تشارلس ايفرموند ان يحضر على الفور لانقاذ حياته ..

ولهذا فقد قرر تشارلس هو الاخر ان يذهب لانجاز هذه المهمة ..ولكنه قرر ايضا الا يخبر احد بعزمه على هذا السفر الفجائى الى فرنسا .. حتى بالنسبة الى زوجته لوسى والدكتور مانيت ..

بعد ان وصل تشارلس ايفرموند الى فرنسا لاحظ على الفور ان الاحوال قد تغيرت تماما.. وان الثوار قد اصدروا قوانين جديدة .. تم بمقتضاها القاء القبض عليه وايداعه بسجن لافورس توطئة لمحاكمته واعدامه بتهمة انه ارستقراطى مهاجر ..

ولم يمر وقت طويل .. حتى فوجىء المستر لورى .. الذى كان قد وصل الى باريس قبل وصول تشارلس دارنى بيوم واحد .. بدخول الدكتور مانيت وابنته لوسى زوجة تشارلس دارنى اليه فى مكتبه بفرع بنك تلسون بباريس وذلك بعد ان وصلت اليهما بلندن اخبار القبض على مستر دارنى ..

كان الدكتور وابنته منزعجين وخائفين من المصير الذى يتوقعه المستر دارنى .. ومع ذلك فقد اعلن الدكتور مانيت بأنه قادر على انقاذ زوج ابنته .. باعتباره كان سجينا سابقا بسجن الباستيل .. الامر الذى سيجعله محل فهم وتعاطف مع الشعب الثائر ..

وكان الثوار يهاجمون قصور النبلاء والنبيلات ويعيثون فيها اعمال الحرق والهدم ..والنهب والقتل والابادة .. بل وكانوا يهاجمون السجون التى وضع بها افراد طبقة النبلاء تمهيدا لمحاكمتهم توطئة للاطاحة برؤسهم تحت نصل المقصلة .. ويقومون بقتل هؤلاء المسجونين من الرجال والنساء والاطفال.. ,, وسالت الدماء انهارا فى كل مكان تحت شعار.. الحرية .. الاخاء .. المساواة ..

نجح الدكتور مانيت بالفعل فى تقديم نفسه للثوار باعتباره سجينا سابقا بسجن الباستيل الرهيب ..
فاعتمد عليه الثوار ووثقوا فيه .. ومع ذلك فلم يتمكن الدكتور من اطلاق سراح زوج ابنته تشارلس ايفرموند..المدعو تشارلس دارنى .. ولم ينجح الا فى الابقاء عليه بعيدا عن شبح التهديد بالقتل.. الى ان تجرى محاكمته طبقا للقوانين الجديدة ..

ومر اكثر من عام والسجين تشارلس ايفرموند ينتظر المحاكمة فى سجن لافورس .. وفى اثناء ذلك وصل من انجلترا كل من مس بروس ومعها الطفلة لوسى الصغيرة ابنة تشارلس كما وصل ايضا المستر كارتون ...

واخيرا تمت المحاكمة وسط جو صاخب اشترك فيه جمهور غفير من الرجال والنساء ..
من احط طبقات الشعب فى باريس .. وكان هؤلاء الناس يصرخون فرحا كلما صدر حكم بالاعدام .. ويبتهجون بمرأى الرؤوس حين تطير من رقاب الضحايا وتنهمر سيول الدماء ...


ومع ذلك فبفضل الشهادات التى شهد بها كل من الدكتور مانيت والمسيو جابيل .. الذى اطلق سراحه اخيرا من سجنه .. برأت ساحة تشارلس ايفرموند .. من كل تهمة .. وصدر الحكم باطلاق سراحه فورا .. وكانت فرحة عارمة اشترك فيها الجميع ...

ولكن لم تمض سوى ساعات قليلة على الحرية التى حصل عليها تشارلس ايفرموند .. وبينما كان يجلس هانئا مع زوجته وابنته .. وصل رجال غلاظ مسلحون بالسيوف والمسدسات والقوا القبض على تشارلس ايفرموند المدعو دارنى مرة اخرى ..
وكانت تهمته هذه المرة انه عدو للجمهورية الفرنسية ..وانه من طبقة النبلاء وفرد من عائلة ايفرموند التى مارست اعمال الظلم بوحشية فظيعة ضد الشعب الفرنسى ...

اثناء المحاكمة ظهرت الكثير من الحقائق عن الفظائع التى ارتكبتها هذه الاسرة فعلا فى حق الناس .. بل وكان الدكتور مانيت نفسه احد ضحاياها .. حيث تسبب بعض افراد هذه الاسرة فى ادخالة الى سجن الباستيل بتهمة طالمة ملفقة .. وبعد تحقيقات واستجوابات مرهقة .. صدر حكم المحكمة باعدام تشارلس ايفرموند المدعو دارنى بالمقصلة فى ظرف اربع وعشرين ساعة ...


وخلال تلك الساعات الاربع والعشرين .. حدثت مجموعة من الاحداث الغريبة .. التى غيرت مجرى القصة تماما .. فقد تمكن المستر كارتون من التسلل الى الزنزانة التى سجن بها تشارلس دارنى .. وتبادل الاثنان ملابسهما وذلك بعد ان قرر المستر كارتون ان يضحى بحياته من اجل من يحب ..
وتمكن تشارلس دارنى و زوجته لوسى مانيت وابنته الصغيرة ومعهم الدكتور مانيت و المستر لورى من الهرب الى انجلترا ولحقت بهم ايضا مس بروس .. بعد ان وقعت بينها وبين المرأة المتوحشة مدام ديفارج معركة انتهت بمقتل المرأة النهمة التى تسببت فى الاطاحة بمئات من الرؤوس تحت نصل المقصلة .. وكان من نتيجتها ايضا ان فقدت مس بروس سمعها بفعل طلقة من المسدس الذى كانت تحمله مدام ديفارج .. فقد كانت الطلقة قريبة جدا من اذنها ..



- تمت -


أشكرك : عبدالعزيز

 

قمر غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 04-04-2010, 06:22 PM   #37
قمر
( عِطْر فَانَّيْلا ؟؟؟ )

الصورة الرمزية قمر

 







 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 15

قمر غير متواجد حاليا

افتراضي سنيغورتشكا*" طفلة الثلج / ضمن الأساطير القديمة !


سنيغورتشكا*" طفلة الثلج


في البيت القروي البسيط كانت بعض زواياه تلمع بالضياء القادم من النافذة ، حيث كان يدخل الضوء الأبيض و البارد لذلك الصباح الثلجي . لقد تعوّد كبيرا البيت على حب النور.
الجدّة "ماريوتشا" كانت تحيط القدر بالجمر ، كي يغلي الحساء على نار هادئة . وكانت الجدة حزينة فلقد مرت السنوات ، وأحنتها بأثقالها وبيّضت شعر رأسها بثلوج فصول الشتاء المتعاقبة .
لقد مرت السنوات وأخذت معها حلم العجوزين في أن يلد لهما طفل يملأ حياتهما بالسعادة.
أحضر الجدّ "يوتشكو" حزمة من الأغصان اليابسة ، ليطيل بها حياة النار في البيت. فامتلأ المطبخ بطقطقات الأغصان وهي تشتعل. وفي جوار البيت كانت تعلو فرحة الأطفال وهم يلعبون.
أطلّ العجوز "يوتشكو" من النافذة فرأى الأطفال يرقصون ويضحكون ، وقد شكّلوا من أنفسهم جوقة كورال ليغنّوا وهم يحيطون بتمثال من الثلج .
وبحماس قال الجدّ:
" اسمعي ياماريوتشا تعالي وانظري إلى الدمية التي صنعها الأطفال " . وبدأ العجوزان بالضحك وهما يريان الأطفال يضحكون. كانت دمية الثلج سمينة و قصيرة القامة ، فيها شبه كبير من عمدة القرية إنها شيطنة أطفال!!
وفجأة كف‘ يوتشوكو عن الضحك وقال : " ماريوتشا تعالي لنرى إن كان بإمكاننا أن نصنع صغيرا !! ألا ترغبين ؟" . فردت عليه
= : "ماذا بك؟ ألا ترى أن الناس ستضحك منا ؟ لقد شِخْنا يا رجل على أشياء الصغار هذه!! ".
-: "لا يهم ! "._ وأصرّ يوتشوكو _ وأضاف: " سنتفادى أن يرانا أحد، سنشكل دمية صغيرة مثل طفلة صغيرة وجميلة جدا .
أخذت ماريوتشا القدر عن النار ، ووضعت شالا من الجلد وخرجت مع يوتشوكو وعندما مرّا بالصغار توقفا ، وأخذا يلعبان معهما ويقفزان ويغنيان بكل الفرح الطفولي ثم بدآ بالانسحاب رويداً رويداً ، وتوجها إلى دغل صغير كانت أشجاره عالية والثلج عليها شديد البياض.
ركع العجوزان على ركبتيهما وبدآ يجمعان الثلج ، ويشكلانه على هيئة طفل صغير ، شكلا الجسم ثم الرأس ، و وضعا كمية كبيرة من الثلج على الرأس وقالا:" كي ينبت شعر كثيف !!"، ثم أضافا حفنتين على الخدين وقليلا من الثلج للأنف ، وحفرا حفرتين كبيرتين للعينين .
:" آه ها هو بالضبط! " قالا , وتعانقا وهما ينظران إلى ما شكّلاه، لكن فجأة توقفا و صمتا ، فلقد شاهدا شيئاً غريباً ، فأخذا يقتربان شيئاً فشيئاً ، ثم تبادلا النظرات بصمت .
و بدهشة كبيرة جداً كانت الحفرتان في رأس الدمية قد أخذتا تمتلئان بلون ازرق ، ومنه خرجت عينان تنظران بثبات ، و لم يعد وجه الدمية ابيض والخدود أخذت تظهر و تتدوّر ، وبدأ يسري بها اللون الزهري وتحرك الفم في ابتسامة لذيذة .
نفخة من الريح جعلت الثلج يهتز ، و يتحول إلى شعر طويل وملتف ، وعليه غطاء جلدي للرأس ، و فستان ابيض لا يمكن لناظره أن يفرقه عن ثلج المكان ، لقد تحولت الدمية الثلجية إلى طفلة رائعة !!.
تبادل العجوزان النظرات باندهاش كبير، وقالا سوية : " نعم إنها حقيقية !! لسنا نحلم فهذه طفلة إنها هنا إلى جانبنا قريبة منا جداً ، تتحرك وتمد ذراعيها و تنادينا !!".
فأخذاها ، فأحسا بدفء وبدآ يداعبانها بالقبل ، عندها شعرا أن الحياة انولدت من جديد في قلب كل منهما .
عانقا الطفلة وحضناها بين الذراعين ، وعادا بها إلى البيت وهما يرتجفان من شدة فيض عاطفتهما وسعادتهما .
في البيت وضعت الجدة ماريوتشا الطفلة على ساقيها و وراحت تهزهما وهي تردد أغنية حلوة للطفلة كي تنام .
ومن أعلى جدار المدفأة تدلى شال جلدي ، وبالقرب من وهج النار وضعا الحذاء الصغير الأبيض .
اقترب العجوز يوتشكو وقال بصوت منخفض: " اسمعي ماريوتشا !! لقد صار لنا طفلة صنعناها من الثلج ، وإنني أفكر بالاسم الذي سنعطيه لها فوجدت أن نسميها "سنيغورتشكا" هل يعجبك؟ ". هزت الجدة رأسها بالموافقة وهي تبتسم .
في تلك الليلة نام العجوزان وهما حائران بين فيض سعادتهما وخوفهما أن يكون كل شيء مجرد وهم أو حلم جميل قصير .
لكن في الصباح كانت الطفلة معهما ، وفي مكانها تضحك وتحكي تغمرها السعادة فلقد كانت تتكلم بطلاقة ، لقد صارت بهجة حقيقية للعجوزين .
في ذلك اليوم أقيمت حفلة كبيرة في البيت ، قامت الجدة ماريوتشا بتحضير كل أنواع الحلويات ، أما الجد يوتشكو فلقد دعا الموسيقيين وكل أولاد وبنات القرية ، ودارت السعادة وطالت الأغاني وامتدت الرقصات حتى ساعة متأخرة .
في تلك الليلة حلم الأطفال بـ"سنغوروتشكا" وبشعرها الذهبي وعينيها الزرقاوتين ، لقد بدت "سنغوروتشكا " ، وكأنها جاءت من إحدى الحكايات الجميلة ، وهي تلعب مع الأطفال ، أخذت تعلّمهم كيف يبنون قلاعاً وقصوراً من الثلج ، فيها صالات من المرمر و نوافير ماء كبيرة ، لقد بدا الثلج وكأنه يطيع مخيلة "سنغوروتشيكا" وهي تشكله بهيئات مستحيلة .
وعندما رقصت لتعلّم الصغار كيف يسقط ندف الثلج في البداية بشكل دردور . وفي النهاية بشكل بطيىء ، فلقد انذهل الأطفال جميعهم لقد كانت "سنغوروتشيكا" إحدى طفلات حكاية ثلجية.
لكن فصل الشتاء بدأ بالرحيل ، والأرض المغطاة بالثلوج أخذت تعود إلى خضرتها ، بدأت الأشجار تكسو أغصانها بالنّوار ، والهواء يأتي محملاً بالدفء وأغنيات الربيع وأريجه ، ولمعت الشمس ناصعة .
في أحد الصباحات كانت الجدة ماريوتشا قرب النار ، تحرس القدر المحاط بالجمر ، والجد يوتشكو كان قد انتهى من تجميع حزمة الحطب إلى المطبخ .
لم يكن هذا الصباح مثل ذاك الصباح الشتائي الذي شاهدوا فيه الأطفال مجتمعين حول دمية الثلج ، فهذا الصباح كان حزيناً ، وذاك صار بعيداً بعد أن أبهج البيت والحياة كلها .
تقف سنغوروتشكا إلى جانب النافذة ، تنظر إلى المرج وقد أزهر و ازدان والأشجار اخضوضرت أوراقها .
حذّر يوتشكو من أن وجه سنغوروتشكا صار شاحبا ، وامتلأت عيناها بحزن غريب وسأل سنغوروتشكا :
" ما بك هل تشعرين بسوء؟ ".
"لا!! لا !! _ أجابته بحزن _ لكنني افتقد الثلج ، فأنا لا أقدر على العيش بدونه ، والعشب الأخضر ليس جميلاً ، إن أختي البيضاء الرائعة أكثر جمالا وروعة ، وبدأت سنغوروتشكا ترتجف.
وفي اليوم الثاني بدت أكثر شحوباً وحزناً فيما ينظر العجوزان إليها بهلع .
:" ما الذي حل بالطفلة؟ ". سألت ماريوتشا بخوف كبير ، ولم يجبها يوتشكو الذي أمال رأسه ، وأخفى علامات الألم ، ثم اتجه نحو ستغوروتشكا متظاهرا بالسعادة، وقال : " بماذا تفكرين يا صغيرتي ؟ لم لا تخرجين إلى اللعب مع الأطفال في الحقول؟أم انك لم تعودي تحبينهم؟ ".
:" لا اعرف ياأبتي يوتشكو ، لكنني أشعر هنا في داخلي إنني سأختنق كلما استنشقت الهواء الدافئ ، وقلبي يكاد يتوقف ".
: "هيا تشجعي وتعالي معنا ، سأحملك بين ذراعي ، ولن أدع الريح تصلك ، سترين الأزهار والورود الخلابة التي جلبها الربيع ".
أبعدت ماريوتشا القدر عن النار وخرج ثلاثتهم إلى الحقل ، يوتشكو يحضن سنيغورتشكا بين ذراعيه ليحميها من النسيم ، فلقد كان الهواء عليلاً ودافئاً ومعطراً بعبير الورود ، لكن سنغوروتشكا انقبضت ، وأخذت ترتجف ,شجّعها العجوزان وحملوها بين أذرعهما إلى دغلٍ مزهرٍ ،لكن ورغم المرور بمجموعة من أشجار وارفة فلقد جاءت حزمة من أشعة الشمس ، و وصلت إلى الطفلة فجرحتها كأنها سيف .

صرخت سنغوروتشكا بلوعة ومرارة ، ثم بدأت تخرج منها حشرجات ، جحظت عيناها ممتلئة بالدموع على مرأى من "يوتشكو" و "ماريوتشا" وهما مضطربان مذهولان .
لقد بدأ جسم الطفلة يتقلص ، وأخذ يتحلل شيئا فشيئا ثم ذاب ببطء حتى صار قطرات ندى على العشب ، وعلى الجبال كان الثلج يتحلل مع أول إشعاعات الشمس .




:

 

قمر غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 04-05-2010, 08:48 PM   #38
قمر
( عِطْر فَانَّيْلا ؟؟؟ )

افتراضي بصراحة !


في طريق الحيآة الواسع تجذبنا خيالات وأوهام ..!!
تصارع معها أحلآمنا وطموحنا الذي ولدنا به ..
وعبر طريقنا الطويل لابد من محطات نقف معها متأملينْ .. غَآلبًا مآ تُسمى مُذكرات
ومن الثآنوية كانت الإنطلآقة ،


الثآنوية مستوى تعليمي ، قليلآتْ من يرضينْ به ، ليس حُبًا في طلب العلم !
إنما لأسـبآبْ نعرفهآ جميعًا
قد يزعجكم هذا الرأي ولكنهُ الواقعْ الذي يشهد بالكثير من الأدلة
( وهُنآك الكثيرات أثبتن عكس ذلك ) ..
وعليه كآنْ من الأعراف أجتماعي أن أن ذهب مُختارة ومُجبرة ؛ لأجد نفسي
كالدمية تتقآذفهأ ( النسبة ) بين الأقسآم !
ولآ أٌخفيكم أني كُنتُ أحمل حلمًا كبيرًا قد سحقتهُ حُمى ( القبول ) ..!

فقد كُنت - ككل الفتيآتْ - أحلم بنسبة رقميّة أقودهآ خلفي لطمُوحي الذي أزعم
لكن كما السواد الأعظم من خريجات الثانوية ، قآدتني هذه الأرقآم خلفهآ !
( قسـم التربية الفنيّة ) لم يكن حلمي ، ولآ حتى جزءًا من ميولي
ولآ حتى في مُخيلتي .. ولآ ....!!
ولكن أفضل من التمتع بإجآزة طويلة !
واسـمحوآ لي أن أقفز بكم من هذهِ الذكريآتْ إلى يومي الآنْ ، أي بعد 7 أعوآمْ
ولكم أن تحسـبوهآ ؛ فهي 5 سـنوآتْ تحت وهم الحلم الإجبآري ، وسنتآنْ بعد التخرج
في فرآغ منهُ أعاني ، تصبح 7 سنوآتْ قُطعت من دفتر عمري وكياني ..!
بعد انتهآء فرض العُقوبة ومدتهآ 5 أعوام ألتفتُ إلى ذاتي لِ أجد نفسًا ضآئعة
مُهمـلة ، قد تهآوت منهمكة تبحث بشغفْ عن عن رقم مُهم في ( مُعآدلة الحيآة الصعبة ) !

أظنُ الكثيرآتْ الآنْ - وليس الكل - يشعرن بمثل هذا الشُعور ..!
والسؤآل الذي يطرح نفسه .. لمآذا ؟!
- الحظ السيء !
- الظروف الخآرجية !
- الدخول الإجبآري !
- الوآقع المُتدني !

هذهِ بعض الذرآئِعْ التي نتذرع بِهآ ، كي لآ نلومْ أنُفُسـنآ ، أو بِالأحرى كي لآ نُعآقبهآ
وكثيرونْ هُم المتفوقونْ فِي إثآرتهآ ..!
القليل جِدًا - وهُم المُتميزونْ - الذينْ يتغلبون عليهآ ويجعلونهآ تحديًا لـِ بلوغ النجآحْ
لذلك فأنا لآ أشك في صدقهآ ؛ فأنتِ لآ تكذبينْ على ذاتك عِندمآ تسـآوركِ
مثل هذهِ الأعذآر ؛ لكنك تكذبين بمهآرة الذي أعنيه والتحدي الذي رمزتُ له
تفوق الذآتْ وتحديهآ لكل شيء يعترضْ رغبتهآ وإصرآرهآ لإثبآتْ وجودهآ
وتحـقيقْ طُموحهآ ..!
إن اتكآئي على أريكة الحظ السيء ، واستسلآمي للظروفْ ستنجلي حتمًا ،
أو قد تخدمني لو أحسنت التصرفْ يومهآ ، أو استماعي بإنصآتْ لتثبيط الآخرينْ
غير النآصحينْ ، أو استمرآري في تخصص أُجبرتُ عليه ،
او استمآعي دون وعي بنقد الوآقع الذي أعيشه ..
كُل هذهِ ستخلقْ مني فردًا ضعيفًا لآ يخدم نفسه فضلاً عن خدمة مجتمعه !


إنهآ قنآعات سلبية كلما فكرنآ في اتخآذ القرآر ، ترسم لنآ الخوفْ والفشل والإحبآط
والسُـؤآل مرة أُخرى ، لمــآذا ؟!
لماذا لآ أٌفتش وبجدية عن حقيقة اهتمآمي ، وصدق طُموحي ومهآراتي وقُدرآتي ؟!
لماذا أسير خلف خطوآتْ غيري ؟ لماذا أعيش بأحلآم الآخرينْ ..؟!

إن عدم رضآك عن وضعك الحآلي لهو القوة بين جنبيك ؛ فاجعليهآ عآمل ضغط
يدفعك للتغيير ، وصنآعة الحيآة التي تحلمين بهآ ..
أرجوك .. كفى ضياعًا لسنوآتْ العُمر
لآ تترددي في تجريب كُل مآتهوآه نفسكِ ، لآ تكونِيّ أسيرة لِهذآ التخصص
أو ذآك الوآقعْ .. لآ تستسلمي لذلك الشُعور أو تلك الظُروفْ !
أنا أجزم أنكِ تملُكينْ - كمآ كُل البشر - قُدرآتْ خلآبة فلآ تتركيهآ تصدأ ، ويعلوهآ الغُبآر
إن القوة الحقيقية أن أصل إلى مآ أُريد أن أصلْ إليه وبِأعلى كَفآءة
وليس أن أصل إلى مآيُريدُه الآخرون بِأدني كَفآءة .
لن أعدد لكِ بعض المهآرات ؛ لأني أعلم أن لكِ إبدآعكِ الخآصْ ، وبصمتكِ الخآصة
التي لآ تنتظر مِنْ أحد تحديدهآ ..

قد تكونْ تجربتي مريرة عند أولئك المُهتمينْ بالدقآئقْ والثوآني من أعمآرهم ،
لكن هذا لآ يمنع إطلآقًا التحرُك بإيجآبية لآستدرآك مآبقي من العُمر المجهول !
يكفي أن تعلمي عزيزتي أنني طلقتُ ذلك القسم بـِ " الثلآثْ " ، ولآ زلت أعترفْ
بـِ فضله علي خآرج نطآق التخصُصْ ..!

بِصَـرآحة /..
إنهآ تجرُبة نآجحة ، فهل تفوتينْ على نفسكِ تجربة نآدرة كهذهِ ..؟!


إضَــآءة :
لآ يُوجد إنسـآنْ ضعيفْ ، ولَكِنْ يوجد إنسآنْ يجهل فِي نفسه موآطن القوة .





لـِ كآتِبتهآ ~
ظِلآلْ الهَجير

 

قمر غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 02-07-2011, 10:53 PM   #39
عائشه المعمري

كاتبة

مؤسس

افتراضي


رحمة

من أين هبت العاصفة ؟! البارحة لم أعرف طعما للنوم ، ظللت أتقلب على الفراش كان سطح البيت يصدر أصواتا مرعبة أخافت الصغار.وفي ضوء القنديل الخافت، رحت أسرد عليهم القصة تلو الأخرى السندباد / بنت الوالي / علاء الدين / "الجني والعطبة" دون فائدة ..ظلوا يبكون في حضني حتى هدأت وسكن الرعد،لم يبق من ثورتها سوى القطرات التي تسقط الآن من شقوق السطح عبر الخشب المتهالك قطرة قطرة،وزعت بعض الأواني والقدور حولي حتى لا يبتل فراش الصبية ورحت أغطيهم جيدا خشية البرد ، ناموا جميعا وهم يحلمون بالمطر.


* * *

تشعل موقد الطبخ بعناية..تتناثرعيدان الكبريت من بين أصابعها.. علبة الزيت فارغة لن تستطيع إعداد البيض لهم ، جمعت ثلاثا منها فقط ، مدت يدها الحذرة تحت ريش الدجاج .فأطلقت صيحات احتجاج .. أيقظت الديك الأحمر..صفق جناحيه وصاح .
_ أمي ماذا تفعلين هل توقف المطر؟
_ نعم هيا قومي وأيقظي اخوتك .
قفزت من فراشها .. ألقت بالوسادة على يحيون .. ركلت رأس نصر ..جذبت ميا من جديلتها فصرخت متألمة : ماه
.
عالجت مزلاج الباب بكلتي يديها.. فانفتح. خرجت راكضة إلى البئر.. باغتها النسيم البارد فارتعشت كيمامة.
_ حاذري من الطين يا رحمة.
رأت صباحا مختلفا .. الزرقة تخيم على المكان .. الجبل يبدو متوضئا ..والساقية ممتلئة.لا حاجة لسوق الماء من البئر ..التربة رطبة .. وأوراق الأشجار طرية .. التيس (اللمبعبع) سيد قطيع الشياه قادهاباكرا هذا الصباح .. فاعتلت قمة الجرف الصخري ..وشرعت تلتهم براعم"الحميضة"
...يخرج أخوة رحمة.. يلاحقونها .ليبدأ السباق المعتاد إلى السدرة .. "المرجيحة"
في انتظار من يلاعبها .. تصل قبلهم..ترتقيها بسرعة،تتشبث بالحبل المفتول بذراعيها وتدفع الأرض برجلها لترتفع فيالهواء.
_ رحمة نزلي دورنا.. دورنا .
_ أول اتفقوا دور من .. بعدين أنزل .
تتركهم في حيرتهم .. ينشغلون بالتعارك .. و تستمر هي في اللعب .. تعلو بها (الرنجوحة) وتعلو وتعلو فتعلو معهاضحكاتها الصباحية الحلوة كمطر الشتاء ...يداعب "النفاف"
وجهها فتشدو عصفورة الشجر:" سيل سيل سيليه.. وحمامة فوق لوميه " .
من عرشها تستطيع رؤية بيوتات القرية أسفل الرابية على مرمى البصر.. الرجال بدءوا عملهم في حقول النخيل و"القت" والذرة .. النساء يطفن بصواني التمر والقهوة "والكميم"
..ترتفع رحمة عاليا ثم تنزلق بهاالأرجوحة..ينقطع الحبل فجأة.. فتسقط بقوة .. تسكن الأرض يتعفر وجهها بوحل لزج .. يتمزق ثوبها .. تتقيأ دما عبيطا للحظات ثم تحلق في السماء.


* * *

رأيتها بشعر أملس فاحم يصل حدالركبة .. ..تمشطها عجوز طويلة وسط جنائن الريحان، يراقص خصلاتها هواء بارد .
_آ آ آ ه.. البنية "مغصوبة" .
_ أخذوها أولاد الذين.....
دفنوها أمس .. عواش صاحت كثيرا .. صرخت .. حاولت منعهم من تكفينها .. قالت: إنها ستعود مع أبيها المغيب منذ سنين.


* * *

تضمهم في أحضانها .. تمسح دموعهم .. توصيهم بالهدوء والحذر من الغرباء (العجوز الطويلة التي رأيتها في المنام ,هي الحارس.. أختكم ما ماتت .. لكنها مغيبة .. وإذا قدرنا نقبض الظالم .. اينفك العمل وترجع مع أبيكم .. وإذا ظهروا قبالة البيت .. لا تخافوا .. اصرخوا بأعلى صوت..والباقي علي)


- * * *

عندما هبط الليل.. سقط المطرعنيفا.. قرقع السطح .. هاج الدجاج .. استغاثت الأغنام..علا نباح كلاب الوادي..تشاجرت القطط....أضاء البرق قمة الجبل .. وسدرة النبق.. قصف الرعد.. سمعت ميّا أنين "المرجيحة".. كأن رحمة لا تزال تتأرجح عليها.. نصر شم رائحة زعفرانها خلف "درس الهوش"

.. تململت وأصدرت ثغاء حزينا.. يحيون رأى من شق الباب وسط وميض البرق ظل شبحين قرب البئر.. كان الظل لرجل ضخم يمشط رأس بنت صغيرة ..تشبه رحمة..لم يخافوا .. احتضنوني بقوة .. سهروا معي ..طلبواالاستماع إلى قصصي كلها .. أشعلت النار في قطع الخشب .. تدفأنا جيدا .. مدوا أكفهم إلى حرارتها .. ثم دسوها تحت الأردية الثقيلة..جنبا إلى جنب.


* * *

في الصباح تبادل الأهالي التحاياوالتهاني بهطول المطر مع الغرباء.
_ كيف أنتم والرحمة؟
_" رحمة ساده وباده على عباده"
وأخذوا يرنون بأبصارهم ، صوب "العلاية" ، حيث بدا بيت عواش وأولادها ،وحيدا مسكونا بالصمت.


تمت

لـ القاص العماني : سمير العريمي

 

عائشه المعمري غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 04-12-2011, 10:15 PM   #40
عائشه المعمري

كاتبة

مؤسس

افتراضي


الصخرة

المغيّب..
كنت ألمحه بصفة يوميةتقريبا .. يجلس على تلك الصخرة البنية العتيقة ..على جرف صخري داخلكحد السيف في البحر.. عجوزهرم غيبته السنون أنهكته حتى لم يبق منه سوى جسد حيينتظر الفناء.
عمل بائعا للخواتم والأحجارالكريمة في سوق الساحل لكنها لم تكنمهنته الأم .. تضاريس وجهه وبقايا الآثار التيخلفها عمله الأصلي كانت تشي بأنه بحارقديم ، مات أصدقاؤه وأحباؤه ولم يعقب ذريةكما يبدو.. تبدل العصر من حوله وبقي هو وحيدا يصارع وقدةالوحدة ويتأمل الأمواجالتي كان يركبها ذات يوم متحدياالأهوال.
فيما سبق من السنواتكان المغيبيجدمن يستمع لحكاياته عن مغامرات السفن في أعالي البحار قرب سواحلأفريقياو"كيرالا" والعواصف والطوفان.. وقصص الغرقى والقراصنة ..وكان يردد دائما فيزهو: أنا الناجي الوحيد من طوفان "مصيرة" .. رأيت أحبائييغرقون..(المحمل) كله توارى فيثوان إنها إرادة الله.. وعندما كان يحس من جلسائه الشككان لا يتوانى عن الحلفبأغلظ الأيمان على صدقه : والله العظيم ما كذبت .. البحرعدو في ثوب صديق .
لم يعد الناس اليوم يهتمون بقصصهلم يعد لديهم وقت لعجوز مثله يسعلأكثر من سبعين مرة في الدقيقة ..تركوه .. انصرفواعنه ..ففضّل الاختلاء بهموم شيخوختهعلى هذه الصخرة ، يأوي إليها فيقعد ناظرا صوبالبحر وأمواجه .. وطيور النورس تحيطبه وكأنها تبادله الحديث.. أتراه يشتكي إليهاما أصبح يلاقيه منا من إعراض؟..أتراهيحسبنا أهملناه كسقط المتاع؟..
كثيرا ما كنت أراه يحاور نفسهمؤديا بيديه حركات غريبة تشبه تلكالتي يستخدمها أمثاله من كبار السن في محاورةمحدثيهم. الفرق انه كان يحادث البحروالساحل والنوارس والسماء ..وهي في نظره بلا شكأفضل من بني البشر ؛ لأنه لا ترفضالاستماع لحكاياته وأحزانه.
اقتربت منه ذات يوم علّه يحدثنيففاجأتني نظراته النارية الغاضبة منغريب افسد عليها متعة النظر إلى زرقة البحروبياض النورس ثم ما لبثت يداه أن حلتا محل العينين فيإبداء الانزعاج ؛ فأسرعتبالابتعاد ؛ لكني لم اغفل عن متابعته خلسة من سطح بيتيالذي كان لحسن الحظ قريبا منذلك الجرف الصخري .
وكان من عادة العجوز أن يأتي إلىتلك الصخرة صباح كل يوم فيجلس علىالظهيرة ثم ينصرف فلا يعود إلا مع الأصيل ليركن إلى صخرته يبادلها أشواقه و حكاياهويظل كذلك إلى أن تظلم السماء فينسحب في هدوء ..حافرابعصاه حفرا صغيرة في الرمال.
كثر الكلام عن شخصه .. فهو غريب عنالبلدة وليس من أهلها..الشيخ جمعةرشيد الحارة رجح أنه عسكري البرج الذي اختفى منذثلاثين عاما في ظروف غامضة. وربيعةمعلمة القرآن رأت انه قد يكون عبدا مباركا منأولياء الله الصالحين..أما حماديهمختن الصبيان فكان منرأيه أنه خادم أحدالسادة الكبار وقد فر من بيت الموالي قبل عشراتالسنين.
لم يكن أحد يعرفحقيقته على وجهالدقة ولذلك لقبوه بالمغيّب .الأطفال كانوا يخافونهوينسجون حوله القصص فمن قائلأنه ثقف يأكل أشواك الأشجار .. ومن قائل أنه يركب ضبعةفي الليالي التي يختفي فيهاالقمر ويتوارى عن الأنظار ..وقد أقسم (علّوي المجينينة) أنه رآه طائرا على جناح نسرعظيم ذات ليلة فوق البحر.
وفي يوم من أيام يناير/ كانونالثاني الباردة لمحت العجوز المغيّبعلى صخرته الأثيرة وقد لف جسده بعباءة باليةيتقي بها برودة الطقس وكان سعاله المتواصل يتهادى إلىأذني فأشفق عليه ..وأعجب منإصراره على البقاء معرضا نفسه لنسائم البحر القاسية ..بقي العجوز كعادته ملتصقابتلك الصخرة حتى اسودّت السماء فحال بيني وبين رؤيتهظلام حالك وما كنت أشك فيعودته إلى مخدعه كما اعتاد كل ليلة .. إلا أن الحقيقةالتي عرفتها بعد ذلك أنه بقيليلته تلك هناك لم يبرح صخرته قط رغم أن عاصفة ينايريةهوجاء هبت ليلتها وكانت قوةالريح من الشدة بحيث أثارت زوبعة بحرية أطاحت ببعضالأشجار المعمرة وأمطرت السماءليلتها كما لم تمطر من قبل .
في غبش الصباح التالي خرجت أتمشىصوب الجرف الصخري ..وآثار مطر البارحةلا تزال واضحة من حولي .وعندما اقتربت منصخرة العجوز وجدتها متشظية وبقربها بقايا عباءة وعصا .. بينما الأمواج تتلاحقوالنوارس تطير.
تمت

لـ القاص : سمير العريمي

 

عائشه المعمري غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:07 PM

الآراء المنشورة في هذا المنتدى لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الإدارة

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.