" وادي الفقاقيع " - منتديات أبعاد أدبية
 
معرفات التواصل
آخر المشاركات
جُمُوحُ العَاطِفة (الكاتـب : محمّد الوايلي - مشاركات : 1682 - )           »          [ #مَعْرِضٌ وَ تَعْلِيْقٌ ] (الكاتـب : قايـد الحربي - آخر مشاركة : ماجد العيد - مشاركات : 8214 - )           »          تبّت يدين البُعد (الكاتـب : عبدالله العتيبي - مشاركات : 14 - )           »          [ رَسَائِل أُخَوِيّة ] : (الكاتـب : خالد صالح الحربي - مشاركات : 41 - )           »          ارتداد (الكاتـب : ماجد العيد - مشاركات : 324 - )           »          العيد والغياب!!! (الكاتـب : محمد علي الثوعي - مشاركات : 6 - )           »          غُربة .. (الكاتـب : نوف مطير - مشاركات : 13 - )           »          الهبوب الصلف (الكاتـب : عادل الدوسري - مشاركات : 0 - )           »          فلسفة قلم .. بأقلامكم (الكاتـب : سيرين - مشاركات : 3847 - )           »          صالون النثر الأدبي 3 (الربيع ) (الكاتـب : نادرة عبدالحي - آخر مشاركة : سيرين - مشاركات : 66 - )


العودة   منتديات أبعاد أدبية > المنتديات الأدبية > أبعاد النثر الأدبي > أبعاد القصة والرواية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 09-18-2011, 03:43 PM   #1
نهله محمد
( كاتبة )

افتراضي " وادي الفقاقيع "


وادي الفقاقيع



تنهد الفجر , وأطلق ديك القرية الغافية أول تراحيب الصبح ...فانتبه الحاكم فزعاً !
جلس على حافة الترف , بقطراتٌ من العرق محتشدةٌ في جبينه , ودمع وفير تسلل من عينيه مُتجمهراً على صدغيه .. عيناه العسليتان تعومان في الفراغ , تهبطان بقلبه و تعودان للطفو به , وهو يستعيد هيبة الأمواج , ويستعد لمطابقة ما حدث هذه الليلة مع الليلتين الماضيتين ...
وقف على ساقين من الخوف أمام تساؤلات النافذة , إطارها الرخامي يعطي نبذةً مختصرةً عن السماء , وقد أفصحت أطرافها عن حضور النور, وألقت ببعض زينتها على حقول القمح ,وبذلت ما يكفي من السحر لبساتين الجلنَّار ..
رويداً رويداً , أعلن الصبح للأرض احتفاله بالشمس , وكمسمارٍ قديم يقف الحاكم في مكانه لم يتزحزح , يسأل الرهبة عن الهدير الباقي في أذنيه :
- تُرى ما الكلمة التي تقف في نحر هذه القرية ! وبأي لسانٍ تنوي أرضها مخاطبتي؟؟!! ماذا تعني الجذوع المتكسرة التي مرت بي و لم تأبه ليدي , ماذا عن شوالات الذهب , وفقاعات الصراخ !!! آخ , لو أنني لطَّختُ يديّ بحزن الطين لفهمتها , أو على الأقل لردت عليّ الآن...
الصيف بدفئه , لم يكن قادراً على تجفيف خوفه , ذات الفصل يعود مجدداً للعبث معه بجرأةٍ أكبر , فيفتح فرجةً في صدره , ويركل النبض في ركنه الأقصى . و قلبه هناك , يغير رأيه في الاطمئنان , ويستعد لسحب أوردته والشرايين على مهل , حتى سكينةٍ لاحقه ..
كل ذلك الهذر بالقلق , استحثه لاجتماعٍ عاجلٍ بساعديه ..قال وهو يتوسط مائدةً رخامية ضخمة ,عجت بغرور الأباريق الذهبية والصِّحَاف المُفضضة :
- أرسلوا في طلب أشهر كهّان القرية ومؤوليها , واضربوا في مرابع القرى الصديقة بحثاً عن أصغرهم , حتى آخر من شارف بعمره على الخرف . انكشفت ضفتان من الذهول على جبيني ساعديه فقال " صخر" :
- أظن أن الأمر متعلقٌ بما حدثتنا عنه قبل أمس الأول ..!
هز الحاكم رأسه زافراً شيئاً من الضيق :
- وإني لأشعر بالسماء مطبقةٌ على صدري ,وأسمع صوت أضلعي , وأحسُّ بقبضتين تعصران رئتي من الحياة ولا تُبقي ..
أردف صخر : لا تقلق يا سيدي , أمرك نافذ ..
انتفض كرسي "سُراقة " تباعاً لارتعاش أطرافه – يديه ورجليه المعلقتان في الهواء – فقفز كالزنبرك من فوقه متحججاً بألمٍ ألمّ ببطنه في حالةٍ طارئه , حتى انسحب بعد إذن الملك..
وعند بوابة القصر , ألقى سُراقة بكذبته في بركةِ نافورةٍ كبيرة , متوجهاً إلى شجرة لوزٍ عملاقة , حيث اعتاد أن يقاسم هرته برد تلك الشجرة الحزينة , ويجد متسعاً لاختلاس أفكاره بعيداً عن طغيان صخر ..
هناك جلس مُستنداً بهمه على ساقها , و بيده كان يراكم شخبطات أفكاره الواحدة تلو الأخرى , يهز ما يجوس في نفسه بجذعٍ بائس , ويقطع آلاف الخُطى خارج القرية , حتى أعاده صوت صخر المنبجس من خلفه وهو يقول :
- متى ستكف عن الحماقات يا سراقه ؟؟! !
انتصب سراقة بجانب صخر كشعرةٍ مقشعرّة , وقد ألقى الجذع و يقول :
- أفكر جدياً بالهجرة من هذه اللعنة إلى قريةٍ أخرى مهما كلفني ذلك , المهم أن أنجو بعائلتي ...
قاطعه صخر وعينيه ملتصقتان باللاشيء قائلاً :
- وبجلدك يا جبان !!
ما استثار سراقه وحداه للقول :
- تعلم أني لست جباناً , وإن كنتُ كذلك , فأنا أقرّ اللحظة بفداحة ما فعلناه الربيع الماضي , وأعلم جيداً مثلما تعلم ما تعنيه رؤيا الملك ....!
مد صخر يده وربت على رأس سُراقه المقابل لفخذيه قائلاً :
- لا تقلق يا صغيري, أخشى عليك من التقلص أكثر إذا خفت . لن ينكشف أمرنا , ولن تعدو رؤيا الملك المزعومة أضغاث أحلام .. إنما احترازاً , تدبر الساعة أمر الكاهن " حنظلة " , فأنت من بُحت له برؤيا الملك . اقطع لسانه و أهده للسباع . خلال يومين على الأقصى سيُعقد اجتماع الكهنة والمؤولين , ولا أريد رؤياه بينهم ..

بعد يومين , كان بلاط الحاكم قد تحول إلى خلية نحل , دوت فيه الآراء باختلافاتها :
قال أحد الكهنة : إنها لعنة الغرقى الأربعة من العام المنصرم ، ستهبُ أرواحهم من العدم ، و ستفلق السماء هذا الشتاء الأظلم تنكل بأهل القرية تنكيلاً يُلجِم ، هكذا أخبرني رفيقي من الجان " أَقْتَمْ " ..
قال آخر :" مَعَزْ " تلقي عليك التحية و تقول ، بأن الآلهة غضبى يا سيدي المسؤول ، وما ذاك إلا حزن أهل السماء على وجع الفلاحين ، و المستضعفين المأخوذين بجريرة الظلمة و الطامعين ...
تقافزت الآراء , والحاكم منصت لحوافر قلبه , يركضُ قلقاً كمجنون, وخلفه حيرة تحد رؤيا العقل . انتبه لعبدٍ ضخم الجثة يتقدم نحوه مُضمراً حديثاً بين شفتيه , قال بثقةٍ أمام الحاكم :
- رؤياك تقول , بأن السماء ستفتح أزرارها , لأن روح القرية ستفيض بحقولها , ببساتينها , بحجارتها , بالظلال وأصحابها ..
استجمع سُراقة ارتباك اليومين الماضيين في حنجرته , صرخ فيه مقاطعاً :
- ثكلتك أمك يا ابن السوداء .. !
قفز شابٌ آخر من جانب المجلس كفلاحٍ محترف , يعرف كيف يزرع خُطاه بأنَاه , ومتى يرش الحديث ... ثم قال :
- لا تُسكته يا سراقه ! إنما قال حقاً , وأزيد بكلمتين " الطوفان قادم " ...
أخذت تدب في أطراف العرش رعدة , ماج لها المجلس بالحديث , و سُراقة يجدد انفعاله صارخاً :
- كلمةٌ واحدة وسأقطع لسانك يا .....
لم يتركه الحاكم ليتم عجرفته, فكان لزاما أن يُوقف النّزق بنَزق ويقول :
- إما أن تبتلع لسانك يا سُراقه , أو تختار لك مجلساً غير هذا!
انكمش سُراقة خَجِلاً , وانسحبت بقيته , فيما أمر الحاكم المُعَبّر الشاب بتتمة حديثه أمام حنق صخر , فقال :
- أـما رؤياك فخرابٌ عام , لأن قوي القرية ينهب جيب ضعيفها , وكبيرها يدوسُ في صِحَاف الصغار , و مُترفها لا يفتح بابه لتضور الجياع , والعدل عاثرٌ على باب حجرتك , ليس لأنك مجحف , بل لأن هنالك من يدوس على كلمتك في الظلام! ..
كل ذلك , والحاكم حليمٌ كمنسأةٍ على صاحبها , يُقدِّر في ذلك الشاب جرأته , وقدرته على إفشاء أمر الرؤيا . لكنه ورغم ذلك كان مشوشاً , يبحث في داخله عن طريقةٍ لردم النكبة المقبلة , حتى انتبه للفتى وهو يواصل الحديث :
- ثمة ومضتان في الرؤيا تحملان لك البشرى لتتقي نزق الماء . ففي جذوع الشجر الكثيرة إشارة واضحة لبناء سفينة ضخمة , وشوالات الذهب إشارة إلى بذل المزيد من المال؛ لإعلاء السد الذي لم يكتمل بناؤه العام المنصرم .. فإن نجا الجميع , عليك بقطع دابر الخونة كما تأمرك رؤياك , وإلا فالفقاقيع ستغمر الوادي ثانيةً ...
أوجس الحاكم خيفةً من تأويل الفتى , فأمر بانفضاض مجلسه . اجتمع لاحقاً بساعديه , سلمهما غالب ما في خزينة القرية ؛ ليعلي هامة الطمأنينة قبل مداهمة الشتاء , مُحذراً إياهم من العبث بعزائم الفلاحين وحقوقهم , حتى يحاسب كل من له يد أو حتى إصبع في عدم إتمام السد ...
في نهاية الخريف , خفتت كثيراً جلبة الخوف التي انتابت القرية , فأنفق ساعدي الحاكم الذمم على اللهو , وأُتخمت مجالسهم بالغانيات وغنج الجوار , وفاحت بالإثم رائحة النبيذ ...
الفلاحون , لم تُثر عزيمتهم المبالغ المجدوعة التي وصلتهم, بعد أن مرت على جيوب كبار القرية . الفلاحون الحزانى , لم تشد بطونهم الحجارة التي ربطوها في محاولة فاشلة لإقناع الجوع بالقوة , من أجل إعلاء أكثر من طابقين رمليين ... في حين هاجر أغلبهم فراراً من الخيبة للقرى البعيدة عن عجرفة النهر ...
أما الحاكم فقد استيقظ يوماً من أيام الشتاء , والرؤيا حاضرة , بنفس التفاصيل . قطيعٌ أسود يهرول مقبلاً من أقصى الأفق والرعد يرعاه , الشمس تولي هاربة , تختنق الزرقة في الدقائق , تفتح السماء صنابيرها كطفلٍ يستهويه اللعب بصمت الصنابير , والماء يتواطأ مع الماء ؛ ليفيض بالفقاقيع , وفي الأفق ثمة فقاعة كبيرة تنفجر عن صوت الحاكم يسأل حزيناً : " لماذا أيتها الآلهة ؟ ".




 

التوقيع




لم يكتب فيّ أحدٌ قصيدة واحدة ..
ولا ربع كلمة !
كنت دوماً خلف كواليسهم أرقبهم يُقرون
بأن الضوء يتسرب من يدي ..
بأن واحة اعتدل حالها عندما كتبت عنها ..
بأن سنجاباً تأقلم مع صحراء عندما غازلته بأُقصودة ..
بأن المسارح غطاها الغناء ونفضت الغبار بالستائر ثم غسلتها بحبري ..
بأن الجحيم سيصبح بارداً أكثر كلما راسلته .. لديهم أمل أن ينطفئ ..

نهله محمد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 09-19-2011, 03:16 PM   #2
عبدالإله المالك
إشراف عام

الصورة الرمزية عبدالإله المالك

 







 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 16866

عبدالإله المالك لديها سمعة وراء السمعةعبدالإله المالك لديها سمعة وراء السمعةعبدالإله المالك لديها سمعة وراء السمعةعبدالإله المالك لديها سمعة وراء السمعةعبدالإله المالك لديها سمعة وراء السمعةعبدالإله المالك لديها سمعة وراء السمعةعبدالإله المالك لديها سمعة وراء السمعةعبدالإله المالك لديها سمعة وراء السمعةعبدالإله المالك لديها سمعة وراء السمعةعبدالإله المالك لديها سمعة وراء السمعةعبدالإله المالك لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي


نعم للأمواج هيبتها

وللحرف رهبته ووقعه

نهلة محمد

كل الشكر والتقدير

 

التوقيع

دعوةٌ لزيارةِ بُحُورِ الشِّعرِ الفصيحِ وتبيانِ عروضِهَا في أبعادِ عَرُوْضِيَّة.. للدخول عبر هذا الرابط:

http://www.ab33ad.com/vb/forumdispla...aysprune=&f=29


غَـنَّـيْـتُ بِالسِّـفْـرِ المُـخَـبَّأ مَرَّةً

فكَأنَّنِيْ تَحْتَ القرَارِ مَـحَـارَةٌ..

وَأنَا المُـضَـمَّـخُ بِالْوُعُوْدِ وَعِطرِهَا ..

مُــتَـنَاثِـرٌ مِـثلَ الحُــطَامِ ببَحْرِهَا..

وَمُــسَافِرٌ فِيْ فُـلْـكِـهَا المَـشْـحُـوْنِ
@abdulilahmalik

عبدالإله المالك غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 09-21-2011, 08:25 AM   #3
د. منال عبدالرحمن
( كاتبة )

الصورة الرمزية د. منال عبدالرحمن

 







 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 459

د. منال عبدالرحمن لديها سمعة وراء السمعةد. منال عبدالرحمن لديها سمعة وراء السمعةد. منال عبدالرحمن لديها سمعة وراء السمعةد. منال عبدالرحمن لديها سمعة وراء السمعةد. منال عبدالرحمن لديها سمعة وراء السمعةد. منال عبدالرحمن لديها سمعة وراء السمعةد. منال عبدالرحمن لديها سمعة وراء السمعةد. منال عبدالرحمن لديها سمعة وراء السمعةد. منال عبدالرحمن لديها سمعة وراء السمعةد. منال عبدالرحمن لديها سمعة وراء السمعةد. منال عبدالرحمن لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي


رؤياهم واقعهم القادم لا محالة
و الفقاقيع الكبيرة صنعها صممهم عمّا حولهم
لتبتلعهم أخيراً و تروح بهم إلى ما أبعد من الخوف..

نهلة و قلمٌ نشتاقهُ كثيراً و يعدنا دوماً بالأجمل .

 

التوقيع

و للحريّةِ الحمراءِ بابٌ
بكلِّ يدٍ مضرّجةٍ يُدَقُّ

د. منال عبدالرحمن غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:39 PM

الآراء المنشورة في هذا المنتدى لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الإدارة

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.