في زمن التحولات الاجتماعية المتسارعة، أصبحت العلاقة بين المرأة والرجل مرآة تعكس اضطرابات داخلية عميقة، لا مجرد خلافات عابرة أو اختلافات في الطباع.
باتت كثير من النساء يشكين من غياب الرجل، من بروده أو هجره، لكن حين ننقب في جذور المشكلة، نجد أن المسألة ليست في الرحيل فقط، بل في ما سبق الرحيل: التراكمات التي أهالت التراب على العلاقة حتى اختنقت.
في هذا العصر، ارتفعت أصوات الحرية الفردية، واستقلت المرأة اقتصاديا وفكريا بدرجات غير
مسبوقة.
ومع هذا الاستقلال، سقطت في فخّ غير متوقع: اعتقادها أن الرجل لم يعد حاجة، بل خياراً مؤقتاً يمكن الاستغناء عنه، أو مجرد دور ثانوي في "مشروعها الوجودي". لكن أي علاقة بين طرفين تنطوي على ندية قاسية أو تنافس صامت، مصيرها أن تتآكل بهدوء، لأن الحب لا يزدهر في بيئة الصراع، بل في مناخ التقدير.
المعضلة أن الكثير من النساء اليوم لا يشعرن بأنهن يجب أن يحتفين بالرجل في حياتهن، أو أن يظهرن له الامتنان لمجرد وجوده، بل يعتبرنه "واجبًا" أو "حقًا مكتسبًا". تتعامل بعضهن مع الرجل وكأن عليه أن يبرر وجوده كل يوم، أن يثبت رجولته مرارًا بلا مقابل من القَبول أو الاحتضان. وحين يتراجع، أو ينسحب، تُفاجأ المرأة، وتبدأ في الشكوى.
بينما في الحقيقة، كثير من الرجال لا يبحثون عن "الكمال"، بل عن امرأة تمنحهم الإحساس بأنهم مهمّون، بأنهم موضع ثقة واحترام، لا مشروع إصلاح دائم أو موضوع محاكمة مستمرة.
نجد مثلا امرأة في الثلاثين، ناجحة في عملها، مستقلة، تزوجت من رجل بسيط، صادق، لكنه غير "لامع". بعد الزواج، بدأت تتحدث عن زوجها باستخفاف مع صديقاتها، تقاطعه أمام الآخرين، تسخر من أفكاره أحيانًا لأنها تعتبرها "بدائية". لم تكن قاسية، لكنها لم تكن مُقدّرة. لم تر فيه الرجل الذي يحتاج لأن يُشعَر بالقبول كما هو، لا كما يجب أن يكون.!
مع الوقت، أصبح الزوج صامتًا. لم يغضب، لم يشتكِ، لكنه انسحب عاطفيًا. وبعد تراكمات، طلب الطلاق. عندها فقط، بدأت الزوجة المتغطرسة تفهم أنها لم تكن تعامله بوعي، بل بأناها الجريحة التي أرادت أن تثبت أنها الأفضل، الأقوى.!
وما إن غاب، حتى شعرت بالفراغ الحقيقي، ذلك الذي لا تملؤه شهادة ولا راتب.
ختاما إن العلاقات لا تُبنى على التمثيل، بل على الصدق، لا على تكرار مطالب المساواة، بل على ممارسة الاحترام الفعلي. الرجل يحتاج أن يُشعَر بأنه أساسي، لا مُكمل. والمفارقة أن كثيرًا من النساء يسعين لتأكيد استقلاليتهن بطريقة تؤدي بهن إلى العزلة. ليس لأن الرجال يكرهون القوية، بل لأن القوية التي لا تُحسن الاحتواء تفقد دفء العلاقة، وتُصبح في نظره صلبة، لا حنونة.
المرأة التي تكسب الرجل بحق ليست من تتصنع الاهتمام، بل من تؤمن بعمق أن الرجل شريك، لا خصم، وأن التقدير ليس ضعفًا، بل نُبلٌ في زمن التفاهة.