انتهت ملازم البوح، وعادت مفاصل التصريح إلى أماكنها قانعة راضية، وانسلت من العين دمعة كأنما تودع مثيلاتها من دموع الفرح برجاء فيك، وتودع مثيلاتها من تعابير الحزن أوشك باب الختام أن يحوّل المسك المأمول به وداعاً، وقطعاً.
لست أدري على أي شيء تسابقين الريح مدبرة عني مقبلة على كل ما يبعدك مني، خففي السير، وتأني في بسط وشاح التوديع ؛ فثمة أمر بيننا لم تمر عليه يدي ولا يدك بعد..إنها دقائق العمر الوفية ما زال بكاؤها وبكاء الشمعة اليتيمة ينخرطان من مشكاة واحدة، إنها مشكاة الوفاء.
وليت أولي النهى يكرمون ساعة التوديع بما به أكرموا ساعة اللقاء، حينها فقط تحافظ الدنيا على معنوياتها كما تحافظ على محسوساتها المجسمة المالئة شبكية العين وهي ما هي من المعاني إلا كتائهٍ في قلب صحراء ضل في الدرب دليله فتاه ثم تاه حتى جعل من نفسه دليلا وهيهات، هيهات أن تعوض المعاني الجميلة أدلة مهما خشنتْ في يد لامسها، وثقلت على كاهل حاملها.
آهٍ يا حبيبتي مني ومنك..وآهٍ من الأيام لو أفنت أحبتها ولم يبق إلا أنا وأنتِ..ترى حينها كيف ستهتدي الخليقة إلى معاني الحب وقد أحرقناها بنار عنادنا هذه!!