رواية قنابل الثقوب السوداء أو أبواق إسرافيل.كتارا - منتديات أبعاد أدبية
 
معرفات التواصل
آخر المشاركات
أَعـتَــرِف .! (الكاتـب : سُرَى - آخر مشاركة : يوسف الذيابي - مشاركات : 59 - )           »          اوراق مبعثرة!!! (الكاتـب : محمد علي الثوعي - مشاركات : 598 - )           »          [ فَضْفَضَة ] (الكاتـب : قايـد الحربي - آخر مشاركة : يوسف الذيابي - مشاركات : 75393 - )           »          في حضن النعمة: تأملات أنثوية في الضوء والسكينة (الكاتـب : وهم - مشاركات : 7 - )           »          (( شهد .. للحديث بقية ..)) (الكاتـب : زايد الشليمي - آخر مشاركة : خالد صالح الحربي - مشاركات : 2 - )           »          مواسم الروح... سيرة الضوء، والثرى! (الكاتـب : جهاد غريب - مشاركات : 2 - )           »          عندما تُصبح البصيرة مرآةً... تعزلنا عن العالم! (الكاتـب : جهاد غريب - مشاركات : 0 - )           »          كلمات.. في الصميم (الكاتـب : يحيى الحكمي - مشاركات : 1057 - )           »          الانجذاب الأخير "هجين من القصة والشعر والخاطرة" (الكاتـب : إبراهيم امين مؤمن - آخر مشاركة : عُمق - مشاركات : 1 - )           »          الأطياف الصغيرة.. (الكاتـب : سهيل العلي - آخر مشاركة : عُمق - مشاركات : 1 - )


العودة   منتديات أبعاد أدبية > المنتديات الأدبية > أبعاد النثر الأدبي > أبعاد القصة والرواية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 02-06-2020, 03:40 PM   #1
إبراهيم امين مؤمن
( كاتب )

افتراضي


ثمّ أخذ ابنه قائلاً ..هيّا نرحل .
فما عاد هذا المكان آمن بعد الآن.
حدقه فهمان ولم ينبس بكلمة.
أخذه فطين وآثر الرحيل من الشرفة ، ولقد رأى فطين المطبخ الخشبيّ المحترق فلم يبدِ اهتمامًا.
ورغم أنّه الليثُ الأشجعُ لمْ يخرجْ من الباب وقفزَ مِن شرفة الحجرة الخلفيّة ، وأخذ ابنه والمال الذي قبضه مِن بيع المنزل وكذلك عصاه وركبَ أوّل سيّارة ومضى حيث لا يدري .
رحلَ تاركًا البيت الذي كان يمثل قطعة من جسده ، ففيه تزوّج بالمرحومة زوجته التي كانت مثله في العلم والوطنيّة ، رحلَ عن مكان الذكريات الحلوة.
في أوّل دقائق الرحيل لم ينتبه إلى ابنه ، وتذكّر ماضيه مع زوجته وقولَها له عندما قالتْ له ..فطين ، هذا المنزل أغلى مِن حياتي ، ففيه تزوجتك وفيه ولدتُ فهمانَ وفيه عشتُ ألذَّ أوقات عمري.
ولمّا كانتْ في النزْع الأخير قبل أنْ تُفارق الحياة قالتْ له ..لا تبعْ المنزلَ ، اجعلْ كلَّ خطوة خطوناها معًا أملاً في الوصول إليّ ، وكلّ بسمة ومودة وأنسة عشناهم معًا ذكرى أطلالٍ جميلة قد تتحول إلى واقع ، كُن وفيّاً لعلّ الله يجمع بيننا مرّة ثانية في بُعدٍ آخر ، فقد تخترق يومًا ثقبًا أسود وتعبر فتصل إلىّ في بُعدي الذي انتقلت إليه الآن ، لعلّه يا فطين أحد أبعاد نظريّة الأوتار الفائقة الذي كنّا نسميه معًا بُعد الأموات.
ولا تفرّط في كتبنا ، دعها كما هي ، كتبٌ درسناها معًا وتدارسناها لابدّ أنْ تكون قطعة من جسدك..ثُمّ تذكّر قولها..
فطين ..لا تبعِ المنزل .
فاغرورقتْ عيناه بجانب ولده الذي لحظه فبكى لبكائه.
ضلَّ الحُلماء بين الخوف والفقر...
في طريق الرحيل ..
نظر فطين إلى ابنه وسأله عن شأن المطبخ المحترق.فأجابه بالتفصيل ، لكنّ فطين لم يسمع شيئًا إذ طغى على كافّة حواسه من جديد مشهد الفندق ووصية زوجته له بألّا يبيع المنزل.
كانتْ سيّارة السائق متآكلة تنبحُ وتزأرُ ، على طول الطريق تُقدّمُ السّيّارة أعظم سمفونيّة رقْصٍ شرقيّ في التاريخ لأنّها تسير تتمايل وتتبختر على عزْف وطبْل العفشة المتآكلة والأبواب التي تتصادم في مداخلها.
فقالَ له السائقُ إلى أين؟ فلمْ يردّ، فأعادَ السائقُ السؤالَ..إلى أين ؟ قال..سرْ بنا بعيدًا بعيدًا ، فتعجّبَ الرجل وقالَ أنا نفسي لا أدري أين أذهب منذُ ولِدتْ ، لكنّي أدرك أنّه يتوجّب عليّ دائمًا الهروب بعيدًا بعيدًا من مطاردة الفقر.
فتاه فطينُ وتاه السائقُ في ظلِّ لوحة دراميّة جمعتْ بين الخوف والفقر.
فطين سكران فهو يخشى أنْ تأتيه الطعنةُ مِن بني وطنه أو حكومته ، والسائق سكران بسبب الفقر المدقع الذي توارثه من جهل بلده وحكّامها.
بُرعم حضارة ينمو في رحِم الشرقِ...
بعد ساعتين مِن العزف الموسيقىِّ الشرقيّ ، نزلَ فطينُ في مكانٍ خالِ ليعطي نفسه فسحة مِن الوقت لأخْذ قرار سليم بشأن اتقائه إعدام محتمل.
-نظرَ فطينُ إلى ابنه مُتسائلاً من جديد :ما شأن المطبخ ؟
-فردَّ..ألمْ أقلْ لكَ أبتِ ...
-ردّ فطينُ بتعجّبٍ أوَ قلتَ ؟ ..ثُمّ تابع كلامه ..قلْ مرّة أخرى .
-فذكر له القصة من أول وضع الطعام والجلوس في البلكونة لانتظاره ثمّ رائحة الشياط نتيجة الحريق الملتهم في الصورة ثمّ المطبخ الذي تحوّل شعلة من نار مشتعل ثمّ أكمل قائلاً ..
قمتُ بقفل محبس الغاز الرئيس على الفور ، ثمّ أحضرتُ زجاجات المياه التي بالثلاجة رغم علمي أنّها غير فعّالة في إطفاء الحرائق .
خفتُ وأصابتني رعدة ، ثُمّ تمالكتُ نفسي وفكّرتُ أن أسحبَ الأكسجين مِن المطبخ والذي هو سبب الحرائق .
ذهبتُ إلى الثلاجة مرة أخرى بعد أن اتّخذت القرار السليم وهو استخراج كلَّ قطع الخمائر التي كانتْ في الثلاجة التي تستعملها أنت في أعمال الخبز .
-وماذا ستفعل بالخميرة ؟ أتترك الحرائق وتأكل "فطين يعلم دور الخميرة في إطفاء الحرائق "؟.
-لا ..بل إنّي أعلم أنّ الخميرة تنفخُ العجينَ ، كما أعلم كذلك أنها مادة قلويّة .
يتبع .................................................. .... يتبع

 

إبراهيم امين مؤمن غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 02-17-2020, 09:36 PM   #2
إبراهيم امين مؤمن
( كاتب )

افتراضي


-لا ..بل إنّي أعلم أنّ الخميرة تنفخُ العجينَ ، كما أعلم كذلك أنها مادة قلويّة .
بعدها ..فتحتُ حقيبةَ ألعابك السحريّةِ ، فوجدتُ ثلاثَ زجاجات خلّ ، سكبتُ اثنتين منها في حلة مِن حُليِّ المطبخ على الخمائر فتحرّر ثاني أكسيد الكربون ، ثُمّ سكبته على بعض الشموع التي نحتفظ بها في منزلنا للإضاءة ، فترسّبَ الغازُ في قاع القدر لأنّه أثقل مِن الهواء ، ثُمّ ألقيته على النار فانطفأتْ إلّا قليلاً منها ، فأحضرتُ زجاجة الخلّ الثالثة ووضعتها على الخميرة وفعلتُ كذلك ما فعلته أولاً فانطفأت .
-فرِحَ أبوه لدرجة أنّ عمل ابنه أنساه الفاجعة التي قدْ تلحق به وبابنه ، ثُمّ سأله كيف بلّورت كلّ هذا بهذه السرعة؟
-لا أدري ، لكني وجدت الفكرة تبلّورت في ذهني بمجرد التفكير فيها .
لكنّي أعلم أنّ الحرائق عبارة عن أكسدة وتشتعلُ بسبب وجود الأكسجين في الجوِّ الذي يرتفع ، وهذا يفسر ألسنة اللهب التي تعلو عند مزيد من المواد القابلة للاحتراق .
فلو أحللنا غازًا آخر أثقل مِن الهواء مثل ثاني أكسيد الكربون لترسّبَ في قاع الحرائق ومنع الأكسدة فانطفأتْ ، أيْ ضيّقتُ الخناقَ على الأكسجين .
-فردَّ عليه فطينُ متأوّهًا ..ضاع العلمُ وسط الخوف ، وما أخافنا يا ولدي إلّا الفرقة والصراع ، ثُمّ فارقه الحزن فانفرجتْ أساريرُه أخيرًا ونظرَ إلى ابنه بفخرٍ ، ثُمّ أمسكَ منكبيْه منتصبًا نظره إلى وجهه البريء وكلّمه قائلاً ..أعلمُ يا ولدي أنّك نابغة ، لكنّي أرى نبوغك يتطور ويزدهر بطريقةٍ مذهلةٍ فأسألُ اللهَ أنْ يحرسكَ ويحميكَ .
ثُمّ هزّه فخرًا وقال..أنت ابنُ أبيك فعلاً ، وأرجو مِن الله أنْ يمكّنني مِن إخراجكَ مِن مصر لتستكملَ تعليمك بالخارج .
ثمّ تمتم فطين قليلاً وتذكّر قول ابنه بشأن الصورة فقال لابنه ..صحيح يا فهمان ..ألم تقل لي أنّ رأسي فقط الذي احترق في الصورة ؟
ردّ ..نعم الصورة كلّها لم يمسّها سوء إلّا الرأس فقد احترق تمامًا.
سكتا برهة ثمّ قال له فهمان ..أبتِ أين كنت ؟ ولِمَ تركنا منزلنا ؟
فقصّ عليه الحكاية كلّها وهو يسمعه مذهولاً منصدع القلب .
ختم فطين كلامه ..أزلت العار عن مصر يا ولدي وانتقمتُ لها .
وزفرَ زفرةً طويلةً ثُمّ تابع كلامه بعدها.. بني رويتُ لك لأعوّدَك وأعلّمَكَ الثقةَ والجلَدَ والصبرَ رغم حداثة سنك ، فإنّى أشعرُ بإنّ حِمْلك ثقيل ثقيل عندما تكبر ، أشعر بأنّ هذا العالم سيحتربُ ويحتاجُ إلى علمِكِ وحسن ِخلقكَ.
التفكير مجددًا في تداعيات حادثة الفندق...
عاودَ فطينُ التفكير في حادثة الفندق مِن جديد ، فهو على يقين بأنّ المعركة مصوّرةٌ بأكثر مِن طريقة ، فهاتفُه الملتفَّ حولَ معصمه القذر مسجلٌ عليه كلَّ هويّته ، وهذا كلّ ما يعنيه لأنّ هذا الهاتف الذكي مدون به اسمه وسكنه ومهنته ، أمّا هواتف نزلاء الفندق التي قامت بتصوير المعركة فلا تعنيه في شئ ، وذاك لأنّ الأمن المصريّ سيستغرق وقتًا طويلاً حتى يعرف مكان إقامته.ولذلك باع المنزل وهرب بسبب هاتف اليهوديّ.
وفطين لا يستبعد إذا قُبض عليه أن يُتهم بالخيانة والإرهاب ، بلْ قدْ يرسلوه إلى تل أبيب للتحقيق معه حتى يعلموا مَنْ وراءه .
كل هذا لم يكن ليشغله لو أنّ الأمر يتعلق به فقط ، وإنّما يشغله ولده الذي لمْ يبلغْ عامه السابع عشر بعد ، فسوف يرمونه في “الأحداث أو الإصلاحية” أو يلقونه في غيابات الأنفاق مع السكان الجُدد ، ثُمّ انتفضَ بعد حديث النفس الصامت إلى الجهر بكلمة حازمة "لا والله لن يكون ، لك عمري يا ولدي ".
وفكّر أول ما فكّر أنْ يذهبَ إلى بلدة نائيةٍ ليهربَ ، ولكنْ ماذا يفعلُ في اسمه ، يغيّره؟ ووجهِهِ ، يبدّله؟ لمْ يفكرْ الآن إلّا في الهروب في اللحظة الآنية.
الذهاب إلى الوادي الجديد ..
لمْ يجدْ فطينُ أفضل مِن الوادي الجديدِ ، فمساحتها كبيرة وبعيدة جدًا عن جنوب سيناء .
وقدْ اكتظّتْ بالسكان لوفْرةِ المياهِ تحت الأرض ، إذْ أنّ النّاس بالفعل رحلوا إليها قادمين مِن أكثر القرى والمدن جفافًا ، أتوا إليها بسبب آبارها ومياهها الجوفيّة التي ما زالت تفيض ماءً.
ممّا حدا بأكثر النّاس فقْرًا أنْ يحفرَ بئْرًا ويقيم فيها بسبب فاتورة المياه التي ما عاد يستطيع أحد دفعها.
وممّا ساعدَ على رحيل السكان إليها أنّ بعضًا مِن المستثمرين المصريّين والعربِ شرعوا في عمل بعض المشاريع عليها بسبب توفير خدمات الطاقة ، ألَا وهي الطاقة الشمسيّة ، وكانتْ شبكة الأرصاد الجويّة تسميها بلد الشمس ، ونتيجة لهذه المشاريع تمَّ توفيرَ بعض فرصِ العملِ لأهل المحافظة وغدت البطالة بها لا تتعدّى أكثر من 96% بينما بقية المحافظات فقد وصلت إلى 99%.
حتى سيّاراتها فكلّها تقريبًا تستخدمُ الطاقةَ الشمسيّةَ للتسيير بسبب الانخفاض الحاد في الاحتياطيّ العالميّ مِن النفط.

الجزء الثالث
ُبرعم حضارة ينمو في رحِم الغرِبِ
الولاياتُ المتحدة الأمريكيّة ..ولاية كاليفورنيا.
جاك أمام التلفاز .
يشاهدُ جاكُ أحدَ خبراء ناسا وهو يتكلم عن تقنيةِ المصاعدِ الفضائيّةِ حيث يقولُ..المصعد الفضائيّ ممتدٌّ مِن خط الإستواء حتى المدار القمريّ ، وستُنشأَ قاعدتان واحدة في الأرض والأخرى على القمر من أجل نقل الخبراء والروبوتات والخامات منه وإليه.
يشاهد روادُ الفضاء الأمريكيّون وهُم يضعون مصفوفات شمسيّة على طول الشريط البالغ خمسة وثمانين وثلاثمائة ألف كيلو متر، أمّا عرضه فقد صُمم بحيث يسمح بمرورِ المركباتِ الفضائيّةِ ، يضعونها رغبةً في تشغيل المصعد بالخلايا الشمسيّةِ النانويّةِ ، فضلاً عن توفير الطاقة للشعب الأمريكيّ بأسعارٍ زهيدةٍ عن طريق شمس القمر .
إلَا أنّ هناك آراءً تقولُ أنّ دفْع المركباتِ على المصاعدِ الفضائيّةِ سيكون بالليزرِ للهروبِ مِن عجلةِ الجاذبيّةِ الأرضيّةِ ، وأنّ الدفع بالصواريخ مِن الوسائلِ التي عفا عليها الزمن .
فسعد جاك لذلك أيّما سعادة ، ورفع رأسه فخرًا حتى كاد يلامس السماء رغم تواضعه الذي يسكن في سبع أرضين .
وسمع أيضًا ...
يتبع ................... يتبع

 

إبراهيم امين مؤمن غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 03-01-2020, 03:23 PM   #3
إبراهيم امين مؤمن
( كاتب )

افتراضي


وسمع أيضًا ...
ولمْ تكنْ هي فحسب ، بل هناك أكثر مِن عشر دولٍ قامتْ ببناء المصاعد لأنفسها ، منهم بالطبعِ الروسُ والصينُ واليابانُ .
ثُمّ انتقلَ الإعلاميّ إلى خبرِ الزلازلِ المتوقعة حدوثها وخاصةً في ولاية كاليفورنيا وبالتحديد جامعة بيركلي .
حيثُ يقولُ..
إنّ هيئةَ المسحِِ الجيولوجيّ الأمريكيّةَ قالتْ إنّ بعضَ الولايات ستتعرض لحدوث مئة زلزال على الأقلِّ مختلفةِ القوة في شهري نوفمبر وديسمبر القادميْن.
وأنّ أخطرها سيقع في كاليفورنيا وبالتحديد جامعة بيركلي .
وأنّ الزلازلَ تنذرُ بانفجار بركانيّ قدْ يُذهبُ بآلاف السكانِ القاطنين فيها ، فضلاً عن تلفِ المحاصيلِ في معظم الولايات والدول التي تجاورها بسبب ظاهرة الشتاءِ البركانيِّ .
فامتقعَ وجهُهُ على الفورِ وقالَ..يا ليتني أفديكَ بدمي يا وطني ، وبخشوعٍ تابعَ حديثَ النفسِ الشجيّ الذي توّهه عن الدنيا..
لقد انتشلتني وأنا رضيعٌ مجهول الأبِّ والأمِّ مِن على أحد أبوابِ الكنائسِ ، ولا أدري لي اسمًا أو رسْمًا إلّا ما دعوتني به.
ولكنّي لقّبتُ نفسي "جاك الولايات المتحدة الأمريكيّة "وأنّه لاسمٌ أحبُّ أنْ يناديني به القاصي والداني حتّى أنّي أنا أنا أنادي نفسي به.
وإنْ كان هذا الاسم يحملُ دلالة تبغضها النفس وتلعنها لكنّ هذا لا يهمني ، فحبّي واعتزازي لبلدي الذي آواني وعلمني طغى على كلِّ المحاذيرِ والاعتبارات.
فلمّا أشبع نفسه بهذا الحديث انتبه إلى ما حوله فسمع الإعلاميّ يقول أيضًا..
وفي هذا الشأن فقدْ طمأنت ناسا المواطنين بأنّها والحكومة الفيدراليّة ووزارة التكنولوجيا وهيئة المسح الجيولوجيّ أُعطوا جميعًا الضوءُ الأخضرَ مِن الرئيسِ الأمريكيّ لاتخاذ كآفّة الإجراءات وعلى كآفّةِ الصُعُدِ للحدِّ مِن خطورة المناطق النشطة زلزاليًا والتي تُنذر بانفجار بركانيّ عند القشرة الضعيفة مِن الأرض .
وتتابع كلامها ..
ستخفف حدة خطورتها بتبريدها بضخ المياه إلى الحمم البركانية عبر مواسير ضخمة تضخُّ طلمبات مياهَها نحو الحِمم البركانيّة.
وأنّ الحكومةَ الفيدراليّةَ قدْ تدْعوكم إلى إخلاء بعض المناطق التي تتوقعُ حدوث زلازلٍ فيها.
هرعّ جاكُ إلى مكتبتِهِ العلميّة التي في منزلِهِ وتصفّحَ بعض كتب الجيولوجيا التي تضمها ، وقرأ عن الزلازلِ ، وتدبّرَ قولَ ناسا هذا الخاص بشأن مواسير المياه ولمْ ترقْه الفكرة بالمرّة ، ثُم تابعَ قائلاً.. فليحمِ الربُّ أمريكا .
واستسلم للواقع..
ثُمّ ركبَ دراجته الناريّة الوحيدة عنده ، ركبها ومضى إلى محل ليشتري منه عشر زجاجات مياه غازيّة ، اِشتراها وشربها كلّها ثُمّ وضعَ العلبَ الفارغةَ في جوال مربوط ٍ خلف الدراجةِ.
ثُمّ استمرّ ماضيًا نحو أحد الشوارعِ الفارغةِ كعادته لعمل مناورات بها ، مناورات أشبه بالمعجزات حتى أنّ أحد زملائه كان يلقّبه بفتى الدراجة الطائرة عندما يشاهد ها.
وقال له ذات مرّة مداعبًا لا هازئًا ..أريد أنْ تطيرَ بدراجتك مِن كاليفورنيا إلى واشنطن.
فرد جاك مبتسمًا..مع العزيمة لا يوجد مستحيل .
الجزء الرابع
الطريق إلى مملكة الرؤوس الثلجيّة ..
قرار زراعة رأس...
ظلّا سائرين نحو ثلاث ساعات ، ثمّ أخيرًا ركبا سيارة قاصدين الوادي الجديد ، وما زال الخوف يسيطر على كليهما.
فلمّا وصلا اتّصل بأحد سماسرة العقارات واشترى شقة متواضعة على الفور.
تمددا على السرير وناما من الإعياء الشديد ، نام فطين محتضنًا المال المتبقى من شقة جنوب سيناء بعدما استخرج منه المال الذي اشترى به الشقة الحالية.
الخوف يعتصر قلبه ، وفهمان أشدّ خوفًا منه لأنه يحبّ أبيه جدًا فضلاً عن قلبه الضعيف الذي لا يستطيع تحمل أدنى الكوارث.
ومرجع خوف فطين أنّه لأول مرّة في حياته يعيش طريدًا رغم بعده الشديد عن مسرح الجريمة ، وكان يواسي نفسه ويطمئنها من خوفها بعد إجراء العملية التي عزم على إجرائها.
استيقظ فطين ، بينما ابنه لم ينم إلّا غفوات ، ارتدى ملابسه ومضى وقد آثر فهمان ألّا يسأله عن وجهته.
ذهبَ إلى إحدى المكتباتِ الشهيرةِ في القريةِ واشترى بعضًا مِن كتبه المفقوده وحاسوبًا جديدًا وعادَ إلى المنزل .
بحثَ في بعضها عنْ تقنيات زراعة رأس إنسان أو وجه ، وبعد التحرّي والتمحيصِ قرّرَ أنْ يزرعَ رأسًا كاملاً بدل الوجه دون إشارة طبيب مختص.
فتحَ الحاسوبَ ليبحثَ عن أسماء أطبّاء يقومون بمثل هذه العمليات فحصل على أشْهَرِهم ، إنّه صاحب مشفىً كبير بالوادي الجديد واسمه..مؤيد أصيل ، والموْقع مدوّن به إنجازاته الطبيّة.
أعمق البحث ليعرفَ عنه أكثر، فعرفَ أنّ أكثر مِن مُحامٍ رفعوا عشرات القضايا ضده لأنّه يقوم بعمليات زرع أعضاء دون الحصول على إذن مِن وزارةِ الصحةِ.
وتكلّمتْ بشأنه صحفُ المعارضةِ المصريّةِ فقالت إنّه سفاحٌ وماصٌ للدماء ، والنظام الحاكم يغضُّ الطّرف عنه لأنّهم يتحصّلون منه على ضرائب باهظة.
فتتبعَ فطينُ هذه الأخبار الخطيرة واستوثقَ منها عن طريق مقابلة أحد الذين ذكَرَتُهم الصحفُ بأنّه تبرّعَ بجلد وجهه لأحد المجرمين الهاربين مقابل مبلغ ضخم مِن المال ، وبالطبع دون الحصول على تصريح مِن وزارةِ الصحةِ حتى يستطيع المجرم الهارب الإفلات مِن جريمته.
وزارة الصحة لا تستخرج التصريح إلّا بوجود المُتبَرِعِ والمُتَبَرَع له وعمل اختبارات بصمات الأصابع وخلافه للتأكد أنّ المتبرَع له غير مجرم .
وبعد التأكد التام مِن صحة الأخبار قررَّ أنْ يلتجئ إلى مؤيد أصيل ليعمل له العمليّة.
فكّرَ فطينُ كيف يصل إلى الدكتور مؤيد لمساومته على زرْع رأس له دون تصريح مِن وزارة الصحة .
خرجَ مِن بيته قاصدًا العنوان المدوّن في الإعلان الإشهاريّ للمستشفى على الحاسوب ، خرج ولم يستأذن ابنه كالعادة فعقله مغيب تمامًا عن كلّ شئ إلّا ذاك الأمر الذي قرّر فعله.
توجّه فهمان إلى الحاسوب فور رحيل أبيه مباشرة ، فوجد مواقع لمشافٍ تزرع الأعضاء ، فقرأها ثمّ تساءل ..ماذا تودّ أن تفعل يا أبتِ.
بمجرد وصول فطين المشفى سأل أحد أفراد الأمن عن الطبيب مؤيد أصيل .
فقِيِل له أنّه مدير المستشفى ، ويأتي إليها يومًا أو يومين في الأسبوع وغالبًا السبت والثلاثاء ، والسبت رئيس عنده ، ثُمّ سأله الحارس سؤالأً خبريّاً قائلاً..
-أليس اليوم السبت ؟
-ردَّ فطينُ بلى .
-كم الوقت الآن؟
-الساعة دخلتْ على الثانية عشر صباحًا.
-على وشك الوصول .
-ومتى ينتهي مِن عمله ؟
-مساءً
وجه الحارس نظرة على الطريق الذي مِن المعتاد يسير فيه الدكتور مؤيد ، وبالفعل وجدَ سيارته مقبلة ، فأشار إلى السيارة بإصبع الإبهام قائلاً لفطين ها هو قد جاء .
انتظرَ فطينُ انتظارَ المتحفّزِ، ونظرَ نظرةَ الوجل حتى وصلتْ السيّارة ونزلَ منها فرآه فطين .
شكَر الحارسُ ثُمّ مضى مسرعًا خلف الطبيب الذي ولجَ مِن الباب الرئيس لكنّه لمْ يدركْه .
حكَّ رأسه أسفل لاسته وقرّرَ أخيرًا أنْ ينتظره حتى انتهاء عمله.
ولمْ يترك المكان حتى مارس عادته المشهورة بالنظر إلى تكنولوجيا الجنس البشريّ .
فنظرَ إلى المبنى ولفتَ نظره خروج أحد المصاعد مِن المبنى لتدخل في المبنى المجاور ، هذا المبنى هو ملحق المستشفى إذْ يحتوي على الصيدليّة وبعض الحجرات لإقامة المرضى فيها.
ويبدو أنّ أحد المرضى عُملت له عملية جراحية ونقلوه بالمصعد إلى المبنى الملحق .
تفحّصَ المصعدُ واستذكرَ قراءته ، وعلى الفور علم أنّ المصعدَ يعمل بتقنية الرفع المغناطيسيِّ بديلاً من الكابلات ، وأنّه بإمكانه السير أفقيّاً ورأسيّاً فضلاً عن حركته المعروفة وهي الهبوط والصعود.
مضى فطينُ تاركًا المشفى إلى حين ، حتى إذا حانتْ لحظة غروب الشمس عاد إلى المستشفى ووقفَ على مرأىً مِن بابها الرئيس حتى إذا خرجَ الطبيبُ مؤيد تبعه.
وبالفعل خرج مستقلاً سيارته فتبعه فطينُ بسيّارة أجرة على الفور ، حتى إذا وقفتْ سيارةُ مؤيدِ أمام الباب الرئيس للفيلا كان هناك باب آخر كان يمثلُ جراجًا خاصًا له ..فُتح جراج الفيلا إلكترونيًا ودخلَ وأُغلق الجراج ولمْ يخرجْ مؤيد بالطبع .
امتعضَ فطين ، حيث كان يظنُّ أنّه سوف يخرج ثمّ يلجُ الفيلا من بوابتها الرئيسة ، فأقبلَ كالتائه إلي حارسها وقال له ..أريد مقابلة الدكتور .
فردَّ عليه ..هل أنت على موعد معه ؟ ، فردّ فطين . لا ..فقط أخبره أنّي أريده في شئ هام وخطير .
هاتف الحارسُ الطبيبَ فأمره بإحضاره إلى حجرة الاستقبال .
ولجّ فطينُ حجرة الاستقبال وقابله مؤيد وحيّا بعضهما .
-تعجّب مؤيد من هيئته ، ومن لاسته المزركشة والجلباب ، ثمّ قال له مؤيد ..أأمرْ يا معلم .
-قال فطينُ بهدوء ..رأس ، أريد زرع رأس .
-ردّ باستياء.. هذا ليس محل عمل ..قابلني في المستشفى غدًا ، اتفضلْ ..مشيرًا بيده إلى باب الخروج .
-ردّ بثقة وهدوء ، أريد زرعَ رأس ولك ما تطلب .
-احتدَّ صوته مُتسائلاً سؤال المتهكم ..مِن أنت يا رجل ؟ ولماذا لمْ تقابلنِي في المشفى؟
-بهدوء وثقة ..أريد زرع رأس بلا تصريح مِن وزارة الصحة ولا علم الحكومة ،
فأنا رجل يلوذ بك وأراكَ مُغيثًا ، ولا أظنُّ كريمًا مثلك يردُّ مستغيثًا إلّا إذا كان المستغيث لئيمًا وأنا لستُ كذلك رعاك الله .
-أتريد أيضاً أنْ تُغير اسمك ؟ قالها بسخريّةٍ وتهكّم .
-واصل هدوءه ..يا ليت .
-اشتدّتْ نبرةُ صوته أكثر، ثُمّ سأله..مَنْ قالَ لك إنّي أخالف القانون ؟ اخرجْ وإلّا طلبتُ لك الشرطة .
- أرومُ أنْ تساعدني ، صمت هنيهة إذ لمح صورة معلقة على جدار الحائط وخلف ظهره مباشرة ، يظهر فيها وهو يقوم بإحدى العمليات لأحد الأشخاص ومن خلفه بطارية ذرية لا يلحظها إلّا ذو علمٍ كبير، فعلم على سبيل الظنّ أنّ مكان العملية في أحد الأنفاق الفلسطينية وأن المريض أحد أفراد اتحادها ، فكانت الصورة بمنزلة فرصة ذهبية اقتنصها على الفور قال له ..أنا رجلٌ وطنيّ والموساد الإسرائيلىِّ يلاحقني .
-انتبهَ للعبارة "فأنا رجلٌ وطنيّ والموساد الإسرائيلي يلاحقني "وسكت على إثرها هنيهة ثُم قال بهدوء مغمغمًا بكلام متهدج ق..قل..ق..قلتُ لك اخرجْ .
لمْ يستطعْ مؤيد أنْ يكبحَ جموحه نحو انتمائه لعروبته التي لا تُضاهى ، هذا ما شعرَ به فطين عندما لجلج في الكلام . فاستبشرَ خيرًا.
وقرّرَ أنْ يصمتَ ويطول صمته حتى يستخرج ما بداخل مؤيد مِن خلال علامات وجهه ورعشة منكبيه التي بدتْ واضحةً عندما أخبره أنّ الموساد الإسرائيليَّ يلاحقه.
وآثر الهدوء والصمت .
يتبع .................... يتبع

 

إبراهيم امين مؤمن غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 04-15-2020, 12:17 PM   #4
إبراهيم امين مؤمن
( كاتب )

افتراضي


وآثر الهدوء والصمت .
نظرَ مؤيد بفراسته إلى فطين ، تلك الفراسة التي لا تُخطئ أبدًا ، نظرَ إليه وقوّمه في خياله ، فقال في نفسه أنّه رجلٌ تبدو عليه علامات الإجلال والقوّة معًا ، كما تبدو عليه علامات الصلاح والنبل ..فأزمع بداخله على عمل حيلة ليتأكد مِن ظنونه التي بثّها في خياله على الفور .
وهكذا تفحّص كلٌّ منهما الآخر كأنّهما خبيران في علم لغة الإشارة والجسد .
قال مؤيد بعد فكر وبصيرة ..أيّها الرجل ، اقعد ، ثُم قال أنا لا أقوم بمثل هذه العمليات لكني أصدقك فيما قلتَ .
ثمّ سرح بخياله مرّة أخرى مرددًا على مسامع أذنيه ..لابدّ أنْ أكون حذرًا خشية أنْ يفتضحَ أمري ويَهلك مَن ورائي..
والاتحاد في حاجة إليّ من موقعي المتميز في المستشفى .
ثمّ ناوله سيجارة وأخرج قداحته الأخّاذة وأوقدها له ثمّ تصنّع وقوعها على حجر فطين ، فلمّا أراد فطين ردّها إليه قال الطبيب هي وقعتْ في حجرك وهي مِن نصيبك ، خذها هدية بسيطة جدًا ، فأخذها فطين .
ثمّ أعاد مؤيد قوله ..أيّها الرجل الكريم إنّي لا أمارس هذه العمليات مطلقًا ، وإن كنتَ صادقًا فأسأل الله أن ينجيَّك مِن القوم الظالمين .
-إذًا ..هذا رأيك الأخير .
- قال بحزمٍ ..ومصرّ عليه .
نهضَ مؤيد كعلامة لانتهاء الجلسة ..وتبعه فطينُ وقوفًا على الفور ، ثُمّ استأذنه في الانصراف تاركًا القدّاحة وراءه .
ناداه أثناء دلوفه الباب ، فانتبه ، فقال له مؤيد القداحة ..لقد نسيت القدّاحة ..ثُمّ أقبل إليه وربت على كتفيه ودعا له بالسلامة.
مضى فطينُ مترجلاً هائمًا على وجهه لا يكاد يتحمّل همس الريح ، ولم يكفّ أثناء سيره عن التدخين ترويحًا عن نفسه .
كان يوقدُ السيجارة بقدّاحة الطبيب ، والطبيب يتابعه مِن خلالها ، ولمْ يسمعْ غير نقر نِعال المارة وبعض أصوات هدير السيارات إذْ كان الوقت في الهزيع الأول مِن الليل .
ظلَّ سائرًا يفكّر فيما ينتظر ابنه مِن سوء المآل ، ومؤيد خلفه ليأتي بالخبر اليقين عمّا تلمّسه في فطين من وطنيّة لا تقارن .
وصل أخيرًا إلى الحيّ ودلف باب العمارة ، فأسرع مؤيد بسيارته حتى يبصر العمارة التي يقطنها .
دلف حجرة فهمان ليطمئنّ عليه فوجده عاكفًا على الحاسوب ، بينما مكثَ مؤيد في سيارته لم يخرج منها وهو يتنصت عليه.
وكان فهمان لحظة دخول أبيه يبحث عبر المواقع الإلكترونيّةِ العربيّةِ والأجنبيّة عن خبر جريمة قتل الفندق التي كلّمه أبوه بشأنها فما وجدها ، لكنّه أعمق البحث وظلّ منغمسًا فيه حتى أنّه لمْ يشعرْ بدخوله ، وعندما زاحمه في النظر إلى الحاسوب انتبه فهمان ثُمّ قال ..اليهوديّ لمْ يمتْ يا أبتِ .
سمعها مؤيد من داخل سيارته عبر جهاز التنصت فاقشعرَّ جلده ووظّف كافة حواسه للمحادثة.
ألقى فطين بالقدّاحة بجانب الحاسوب ثمّ ردَّ بثقة ..بني ، عندما يتعلق الأمر بأمن وكرامة دولة يصبح الغريب مألوفًا والمألوف غريبًا وتتبدّل كلّ المفاهيم ، زفر زفرة ثمّ تابع كلامه.. في تصورهم أنّ قتل رجل منهم وفى عقر دارهم أمر مشين وعلى ذلك فلابدّ من ردّ فعل كبير .
بني ..هم يتربّصون بي ويبحثون عنّي متنكرين ، ولنْ يهدأ بالهم حتى يستردّوا كرامتهم .
-ولذلك قررتَ أن تغيّر وجهك .
-كيف علمت ؟ ثمّ نظر إلى الحاسوب فأجابه بنفسه ..من الحاسوب! ولدي عندما تريد أن تعرف شيئًا فسلني أنا ولا تفتّشْ ورائي .
-سمعًا وطاعة أبتِ .
-هكذا يجب أن يكون سلوكك مع أبيك ومع البشر يا بني .
ثمّ تركَه فطين وذهبَ إلى حجرته مغتمًا .
سمعَ مؤيد الحوار الذي دار بينه وبين ابنه ، وما إنْ انتهى الحوار طاطأ مؤيد رأسه مع قوله إنّ هذا الرجل هدفه ، ولابدّ أن يجنّده فهو سيمثل له ورقة رابحة ومكسبًا كبيرًا في إطار صراعهم ضد اليهود.
نزل مؤيد من السيارة ومعه الهاتف ثمّ توجّه تلقاء أحد المحال ليعرف رقم الحجرة التي يقطنها فطين.
وصل المحل وطلب علبة سجائر وزجاجة مياه ، ثمّ سأله عن فطين ، حيث قال له ..أيّها السيد ، هل يسكن في هذه العمارة رجل يلبس لاسة وجلبابًا و ...؟
رمقه عامل المحل شزرًا كأنّه يقول له ..هنا مصر، كلّ شئ له سعر حتى السؤال .
أهمله البائع ، بعد لحظات قال ..لِم تسأل عنه ؟
فأجابه..يريد الزواج بأختي وأنا لا أعرفه ، ثمّ أردف الطبيب قائلاً ..
استأذنك..كم الحساب ؟
ردّ البقال خمسون جنيهًا سعر زجاجة المياه ، ومئة وخمسون جنيهًا سعرعلبة السجائر يصبحان مئتي جنيهًا.
وأخرجَ مِن جيبه العملة المصريّة الجديدة وهي فئة الألف جنيه ، وأخذ يحركها يمنة ويسرة وعين البائع تدور حيث حركة يد الطبيب ، فقال البائع بلهفة ..سأخبرك ، اسمه فطين ولا يعيش معه إلّا ابنه وجاء هنا بالأمس فقط ..
غضب مؤيد قائلاً.. قلت لك كم رقم حجرته ؟
فأومأ البائع بعدما عدَّ أسماء السكان وأرقام حجراتهم ثمّ قال ابحثْ عنه في الدور إمّا الرابع أو الخامس..ألقى الطبيب له الورقة بقرف واشمئزاز بعدما استردّ منها سبعمئة جنيهاً ، ثمّ ولج باب العمارة وطرق باب الدور الرابع والخامس ووقف على بسطة السلم المشترك بين الدورين ، ففتح باب شقة فطين وكان بالدور الخامس فارتفع وحيّاه.
-نظر إليه فطين باستغراب مستفهمًا إيّاه ..أنت ، أنت ؟ لماذا تتبعني؟
-فقال ألَا ترحّب بضيوفك ؟ أمْ تتركني على الباب ؟
-اتفضل.
-أجلسه في ردهة المنزل ورحّب به ونادى على ولده قائلاً يابني أحضر زجاجة مياه على الفور.
-قال الطبيب..أمعك سجائر؟
أخرج له فطين سيجارة فأخذها ووضعها الطبيب بين شفتيه ونظر إلى فطين قائلاً.. ألّا تشعلها !
فأخرج قداحته القديمة وهمّ بإشعال السيجارة ، فأشار الطبيب بسبابته إشارة الرفض ثمّ قال القدّاحة الجديدة ، أشعلْها بالقدّاحة الجديدة .
تعجّب فطينُ مِن رغبة الطبيب لكنّه لمْ يعتنِ بالأمر، وعلى الفور نادى على ولده كي يحضرَ القدّاحة مِن الحجرة ، ولمّا أشعل له السيجارة خطفها قائلاً تلك عصاي أتوكأ عليها ..كما أعرف عصاكَ التي توكأتَ أنتَ عليها منذ يوم ونصف ؟ .
فتعجّبَ فطينُ مِن قوله ثمّ قال له ادخلْ في الموضوع على طول .
-قال مؤيد..لِمَ قتلت يهودىَّ الكيدون ؟
-ظنَّ فطينُ على الفور أنّ الدكتور مؤيد بلّغ عنه وأنّ الشرطة على الباب الآن رغم علمه المسبق بحالته فأجاب ..لا أدري عمّ تتكلم ..سكت هنيهة ..ثمّ قال ..حضرتك طبيب أم محقق؟
-فندق هيلتون طابا يا فطين.. وتابع كلامه على الفور ، أتذكر هذه القداحة ؟ وفتح الطبيب إيّاها دون أنْ يمهله الردّ وأخرجَ منها جهاز تنصّت ثمّ أخرجَ هاتفه الذكيَّ وأسمعه الحوار الذي دار بينه وبين ولده .
انفعل فطينُ وجرتْ الدماءُ في عروقه وعيناه ترمي بشرر كالقصر ، أقبل على الطبيب ورفعه مِن ياقة بذلته بكلتا يديه إلى أعلى وهمّّ بإلقائه مِن النافذة فقد أعماه الغضب عن فعل الحلم والروية والتدبير ، كما فعل ذلك من قبل عندما ذهب إلى الفندق لقتل اليهودِيّ إذْ جرفه سريان الدم في عروقه عن نفس الفعل أيضًا.
حاول الطبيب الخلاص من قبضة فطين ولكن محاولته فشلت بسبب قبضته الحديديّة ، تكلم ولا يكاد الكلام يخرج من سقف حلقه لأن قبضته بمنزلة حبل خنقه ، هنيهة واحدة وكادت تجحظ عيناه بينما فطين لا يكترث لحالته واستمر في إطلاق السب واللعنات .
سمع فهمان هدير صوت أبيه من الداخل فهرول مسرعًا ، فرأى المشهد على الفور، فذُعر وأمسك يد أبيه ليدفعها بعيدًا عن الطبيب بيد أنّ يد فهمان لمْ تحرك ساكنًا .
ولمّا صرخَ فهمان وصاح صياحًا شديدًا رماه فطين متبرّمًا لاعنًا ثمّ قال له..ياخائن يا ابن الكلب.
وسارع فهمانُ نحوه يفكُّ أزرار البذلة حتى يتنفس .
استنهضه فهمانُ وأجلسه على كرسي ، وناوله بعض الماء حتى إذا استراح قال لفطين متهدج الأنفاس..
يتبع .................يتبع

 

إبراهيم امين مؤمن غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 05-26-2020, 06:44 AM   #5
إبراهيم امين مؤمن
( كاتب )

افتراضي


استنهضه فهمانُ وأجلسه على كرسي ، وناوله بعض الماء حتى إذا استراح قال لفطين متهدج الأنفاس..
أنا ما جئت لأهدّدك أو أبتزّكَ ، وإنّما جئتُ لأعمل لك العمليّة ، وأعطيك أيضًا هويّةَ صاحب الرأس الجديد إن أردت ، وبذا تكون قد أمّنتَ نفسك وأمّنتَ مستقبل ولدك.
-وكيف أصدقك؟
-لو أردتُ ابتزازك لِمَا حضرتُ إلى بيتك ، ولو أردتُ الغدر بك لأوصلتُ هذا الحوار إلى الشرطة عن طريق طفل بوهبةِ زجاجة مياه ثُمّ فررتُ أنا .
فكّر فطينُ قليلاً ووجد كلام الطبيب كلِّه معقول ، بل هي عصا موسى التي ستنجّيه وولده مِن حبل المشنقة ، أو إرساله إلى إسرائيل ليضعوه في سجنٍ سرّيّ لايَمُوتُ فِيه وَلَا يَحْيَى..ثُمّ قال ..هات ما عندك أيّها الطبيب.
-قال سآخذ رأسك وأزرعك الرأس الذي لديّ و ..استوقفه فطينُ قائلاً..أنا لا أقبل أيّ رأس؟
ردّ الطبيبُ بتوسلٍ ..لا تقاطعني حالما انتهي .
صاحبُ الرأس رجل فلسطينيّ وطنيّ مِن شعر رأسه إلى أخمص قدميْه ، تهجّر مِن بلده ودخل هو وأمّه وأخوته إلى مصر عبر شمال شرق سيناء بموجب الاتفاقيّة الرباعيّة و ..صمتَ توجّعًا وأطرق رأسه إلى أسفل خجلاً .
طغى الفضول على نفس فطين فقذفه قائلاً ..أكملْ .
-لمْ يردّ عليه ..وعاد مِن جديد وحشُ الماضي الطاغي وفرض نفسه على مشاعره التي كان يداريها عبثًا خلف ابتسامة زائفة مع أنّ قلبه يتمزق إرَبًا.
ولقدْ تجسدتْ الآن الصورة أمام عينيْه اللتيْن بدأتا تزوغان وتغرورقان ، وأخذ جسده يرتعش مع الذكرى رعشة الصاعقة.
وتجسّدَ المشهدُ الأليم في مخيلته كأنّه حدثَ منذ لحظات .
في المشهد يظهر الفلسطينيِّ وهو يصارع سكرات الموت غمًا وحسرةً على ما يحيق بوطنه من ويلات ، كما يدعو على يعقوب إسحاق بأن يصيبه الله الشلل في جسده .ويتحسّرُ على عدم إدراكه للعمل مع الاتحاد .
وعلى جانب آخر من الصورة أمّه واقفةً ، يتزاحم إخوته التسعة حول ثديها الجاف .
نظرتْ الأمُّ إلى ابنها الهالك وإلى أولادها الصغار وقالتْ ..لا أدري يا أبنائي أحملُ مَنْ الآن ، أحملكم أمْ أحمل ولدي الهالك ؟
هذا الهالك الذي كان يحملنا ، الآن لا يجد مَنْ يحمله .
اِصبروا حتى ندخل مصر ونبحث عن جُحْرٍ يأوينا .
انسلبتْ مِن أبنائها واندفعتْ بكلِّ مشاعرها نحو ابنها واقتعدت الأرض ورفعتْ رأسه ووضعته في حجرها وصرختْ.
أقبلتُ عليها لمواساتها فنهرتني قائلةً ابتعدْ عنّي أيّها المصريّ المتوحش.
ونظرتْ إلىّ باحتقار وقالتْ ..أنت مصريّ ؟ إلى متى سنظلُّ قرابين لحكّامكم ، تملكون حريتكم بتعبيد الطريق المؤدّي لاسترقاننا ،إلى متى إلى متى ؟
قلتُ لها كذبًا..أنا فلسطينيّ أجاهد من أجل تحرير بلدي ، وأريد رأس ابنكِ لاتحاد المقاومة.
نظرت المرأة إلى صراخ أطفالها ، ثمّ نظرت إلى ابنها الهالك ، فحثت على رأسها التراب إشارة إلى أنها لطخت نفسها بالعار من أجل حماية صغارها من الموت جوعًا.
ثمّ نهضت واقفة بثبات وهي تمرر إصبع الإبهام على إصبعي السبابة والوسطى قائلة ..كم ؟
وزاد صراخ أطفالها فزاد صياحها وأخذت تردّد بجنون وبعينين زائغتين..كم ؟ كم؟.
فعرضت عليها مبلغًا كبيرًا ، فوافقت على الفور ثمّ انكبتْ على ابنها الهالك تحتضنه وتصرخ قائلة في جنة الله ياولدي ، سامحني يا ولدي، ثمّ انتصبتْ واقفة ورفعتْ يديها إلى السماء وقالت ..
ربّ إنّي أودعتُ ابني عندك ولا حيلة لي ولا سناً تقطع ، اللهمّ أرني في يعقوب إسحاق يومًا أسود كيوم عادٍ وثمود ، اللهمَّ إنّ رأس ابني وديعة عندك فحلْ بينها وبين جسد أيّ مجرم أو غادر ، اللهمّ إنّ ابني عاش بجسدٍ حميدًا مدافعًا عن وطنه فاجعلْه في جسدٍ بقلب حميدٍ خلوقٍ .
ولمّا طالتْ لحظات الصمت ووجد فطينُ رجفةَ الطبيب ودموعه التي انهمرتْ حتى سقطتْ قطراتها على فخذيه أشفق عليه وناداه وحاول أن يستحضرَه بينما الطبيب غائب في لوحة الماضي الأليمة.
فأقبل تلقاء وجهه وأمسك منكبيْه بكلتا يديه يستحثّه على الانتباه وطرْد ذاك الشيطان الذي جثم على مشاعره ، ثمّ هزَّه مناديًا..دكتور دكتور، فانتبه.
-قال فطينُ له ..أنا موافق بشرط أن تجبني عن سؤالٍ واحدٍ ولا تكذبني ، هل الفلسطيني وطنيّ مِن شعر رأسه إلى أخمص قدميْه كما قلتَ ؟
-أجابه..هو من الشهداء يا فطين .
وأسرّ مؤيد في نفسه قصة شرائه ، كما لم يبحْ له برغبته في ضمّه إلى اتحاد المقاومة.
-كمْ تريد ؟
-فقذفه سريعًا بسؤاله هذا ..لِمَ قتلتَ يهودىّ الفندق؟
-النفس بالنفس ، قتل عالمنا المصريّ ، وكان أملاً لخروج مصر من أزماتها السياسيّة والاقتصاديّة.
-سكت مؤيد هنيهة ثمّ قال عملية اغتيال العالم المصريِّ المشهور ..أتقصد تلك العمليّة التي تمّت في فندق هيلتون طابا ؟
-نعم.
-لمْ يعرفوا حتى الآن كيف دخل السمُّ إلى الحجرة رغم الحراسة المشدّدة عليه ، هذا العالم أعرفه كذلك ، إنّه كان بروفيسورًا في إحدى الجامعات الأمريكيّة ، أعرفه جيدًا جدًا ، إنّه عالم روبوتات رائع ليس له نظير غير واحد فقط ، يعمل في مصادم سيرن fcc-1 اسمه اسمه ..اسمه ميتشو كاجيتا وهو يابانيّ الجنسيّة.
وأخفى عن فطين أنّ بروفيسور بيتر كان معه في الفندق وقتها ، وأنّه انضمَّ لنفق الاتحاد وقتها.
ثُم سأله ..لكن كيف سيخرجكم من أزمتكم الاقتصاديّة ؟
-لو التفَّ حوله باقي العلماء والباحثين وأنشأوا مصنعًا روبوتيّاً لأمكنهم صنْعها بحيث تتمتع بقدرات خاصة مِن الممكن تصديرها لدول أوروبا وآسيا بأسعار خياليّة لأنّ الأمريكان والروس يتنازعان حول حكم العالم والسيطرة على القرارات السياسيّة والاقتصاديّة فيه.
-من أين عرفتَ كلَّ هذا ؟
-قرأتُ في جميع تخصصات الفيزياء لاحتياجي لها في عملي ..فأنا ساحر.
-ألعاب سحريّة ! كم أنت رائع يا حاج فطين .
-ولمّا تيقن الموساد مِن خبر ابتكاره لهذا الروبوت وإبائه العمل لدى الأمريكان صدر الأمر إلى قسم الكيدون بالتصفيّة الجسديّة فورًا بأيّ ثمن .
-اقتضبَ مؤيدُ الحديث وأداره حيث يريد وقال ..أريد المال الذي دفعناه فيه فقط ، أمّا جهدنا فسأترك لك تقديره حتى إن لمْ تدفعْ شيئًًا ، فأنا لست أقلَّ وطنيّة منك يا حاج فطين.لكنّنا سنأخذ رأسك فأنت لست بحاجة إليه.
-بلْ أنا في حاجة إليه ، أنا معجب به ، أحبُّ أنْ انظرَ إليه يوميّاً ، وقد يأتي يومٌ آتي إليك فيه لتركبه مِن جديد ..قل لي..
لِمَ إذن تساعد المجرمين ليهربوا مِن جرائمهم بعد أن تغير وجوههم؟
-هذا سرُّ يا فطين ، لكنّي أوؤكد لك أنّ المال الذي اتحصّل عليه لا يدخل جيبي ، أتبرعُ به للقضيّة الفلسطينيّة .
-ابتسم فطينُ ، وصدق حدسه في مؤيد ثُمّ سأله ..ألمْ تخشَ على مشفاك ؟
-أخشى طبعًا ..لكنّي حريص جدًا في حال مخالفة القانون ، والمجرم له طرق مختلفة للحصول على التصريح ..البلد فاسدة وكلُّ شيء يُشترى بالمال .
عامة ، رأسك غالٍ يا فطين ولا يقدر بثمن ، تنازلتُ عنه .
-متى نبدأ ؟
-خلال أسبوع ..المهم يكون معك المال .
-اتفقنا.
وبمجرد أن رحل مؤيد تذكّر فطين الاحتراق الذي نشب في الصورة ولم تحرق إلّا رأسه فاستبشر خيرًا .
رحل مؤيد ولقد ذكرته هذه الاتفاقيّة مع فطين بالحوار الذي دار بين قادة المقاومة منذ سنوات في نفق الوادي الجديد .
ذاك الحوار الذي انقسمَ فيه قادة المقاومة إلى أحزاب وكادوا يقتتلون حول فكرة استغلال جثامين شهدائهم في تدعيم المقاومة مِن عدمه ، إذ أنّ المقاومة في حاجة لشراء أسلحة وذخيرة للبقاء على قلب فلسطين بعدما قطع يعقوب إسحاق أنفاسه ، بمعنى أنْ يبيعوا أجسادهم أو استغلالها في زراعة الأعضاء مِن أجل الإبقاء على المقاومة وتدعيمها فضلاً عن إمداد أُسَرِهم فوق الأرض بالمال الذي يكفيهم مِن الحاجة بديلاً عن التشرّد.
وقدْ رجحتْ في النهاية كفّةُ الرأي القائل باستغلال جثامين شهدائهم للأسباب السالفة الذكر فضلاً عن الأسباب الأتية..
-الحصول على ملايين الدولارات من رؤساء مافيا المخدرات الذين رهن الاعتقال مقابل تغيير رؤوسهم برؤوس فلسطينية متوفاة .
-لديهم الطبيب الأول عالميًا في عمليات الزرع وهو بروفيسور بيتر الأمريكيّ ، فهو معجزة العصر في زرْع الأعضاء وخاصة الوجه.
-وجود مشفي الدكتور مؤيد أصيل مما يسهل عليهم تحقيق الهدف بسهولة.

الرءوس العربية كلُّها توائم
بعد ثلاثة أيام مِن اللقاء ...
آخر الليل..جاءتْ سيارة حمراء قاصدة منزل فطين ، فلمّا أتاه قالَ..له أنت فطين المصريّ ؟
أجاب..نعم.
فلمّا تأكّد السائق أنّه هو ، قال أنا رسول الطبيب بأمارة القدّاحة يدعوك أن تأتي معي .
نادى على فهمان أنْ يحضرَ عصاه والمال فلمْ يسمعه ، إذْ أنّه في بحثٍ متواصلٍ على الحاسوب يقرأ أحدث ما وصل إليه الطبُّ في زراعة الأعضاء ، وأمامه بعض كتب أبيه يبحث في محتوياتها عن عنوانات تتكلم عن زراعة الأعضاء.
فدخل عليه أبوه فوجده على حاله تلك ، فأخذ العصا والمال واستنبهه فانتتبه ثُمّ قالَ..يا ولدي..لقد أوتيتَ الرشد صبيًا ، فإنْ لمْ أعدْ فدبّر حالك بنفسك ، وفتح الحقيبة وأخذ منها ثمن عملية الزرع ثمّ أغلق الحقيبة وأعطاها ولده وقال .دبّر حالك بهذا المال .
حدّجه فهمان ثُمّ تمتم بحشرجة نتيجة خوفه متسائلاً ..إلى أين يا أبتِ ؟
-إلى حيث تعلم يا بني .
-ألَا تتمهل قليلاً حتى نتأكد من موت اليهوديّ.
-مات يا ولدي ..مات.
-اغرورقت عيناه وقال راجيًا..إنْ شاء الله ستعود بعد نجاح العمليّة ، ثمّ لثّم رأسه وهو يعلم أنّها آخر قبلة لهذا الرأس .
-لا تترك المنزل حتى أعود ، الشقة فيها كلّ ما يلزمك ، لا تترك المنزل فإنّي أخشى مِن استفزاز أهل الحيّ لك أثناء غيابي ، لا تفتح الباب لأحدٍ لا تعرفه ، فإن لمْ أعد فسيعلمك الطبيب مؤيد بفشل العمليّة ، عندها اخرجْ ومارس حياتك ، أكرر يا ولدي لا تخرج حتى أعود.
ثُمّ دلفَ بابَ المنزلِ وخرجَ مع السائق وهو يقول لولده سأعود ..انتظرني يا بني .
سعى خلفه فهمان كأنّما يريد استعادته وتحذيره ، ولكنّ أبوه قد استقلَّ السيّارة الحمراء ومضى .
فقال فهمان بصوت متهدج ..ستعود ، ستعود يا أبتِ.
كشْف حقيقة ما حدث في الفندق .......
*قد حاول فهمان أكثر مِن مرّة أنْ يقنعَ أبيه بجدوى الذهاب إلى الفندق والتأكد مِن موت الكيدونيّ مِن عدمه ولكنّه كان يأبى دائمًا ، واليوم عليه الذهاب إلى الفندق لعلّ الكيدوني لمْ يمتْ فينقذ أبيه مِن موتٍ محتمل .
فقد كان يسأل فهمانُ نفسه دائمًا ..هل بالفعل مات اليهوديّ أم لمْ يمت كما أظنّ ..؟
ترك فهمان المنزل خلف أبيه بساعة تقريبًا وأخذ بعض المال معه قاصدًا الفندق ليبحثَ عن الحقيقة .
فسعى خلفه فرد مخابراتي مِن اتحاد المقاومة ليحميه من أيّ سوء ، وقد أرسله مؤيد بسبب غياب أبيه .
*ظلّتْ السيّارةُ الحمراء التي يستقلّها فطينُ تسير على الطريق الرئيس حتى إذا قطعتْ عدة كيلو مترات كان هناك على جانب الطريق شاحنة في انتظارهما ، فُُتح بابها الخلفيّ وأنزَلَتْ درجًا فصعدته السيارة ثمّ رفُع الدرج وأُغلق باباها .
*استقلّ فهمان سيّارة فأسرع نحوه فرْد المقاومة ليمنعه ، إذْ ليس مسموحًا له بالخروج خارج منطقة الحيّ وللأسف السيّارة ولّت .
*تبعه فردُ المقاومةِ وبعد ساعة تقريبًا توجّه فهمان إلى موقف سيارات السفر إلى محافظة سيناء ومِن هنا بدأتْ مرحلة الخطورة .
*هاتفَ فردُ المقاومة رئيسه بشأنِ وجهة الفتى ، فردَّ عليه..أيّها الأبلة كيف استقلّ سيّارة وأنت تراقبه ، أين كنتَ أنت وقتها .. اقبضْ عليه وأعدْه إلى بيته ، ثُمّ قال له كأنّه لمْ يسمعْ ما قاله فرْد المقاومة ..معذرة أقلتَ أنّه توجّه إلى سيارات أجرة سيناء الوادي الجديد ؟
ردّ ..نعم.
فقال له بغضبٍ شديدٍ ، امنعْه الوصول إلى سيناء ولا تلتحمْ بأيّ إسرائيليِّ مهما كان الثمن ، ولوْ كان الثمن حياة الفتى .
ردَّ ..عُلم .
أغلق الرئيس الخطّ وتذكّر كلمة مؤيد له..حافظ على الفتى في غياب أبيه وبالأخص إذا أراد أن يسافر إلى فندق هيلتون طابا بسيناء.
*سارتْ الشاحنةُ نحو ساعتيْن وهي في حالة ترقّبٍ حذِرٍ ، ثُمّ فُتحَ البابُ الخلفيّ وأُنزلتْ نفسُ السيّارة ، السيّارةُ الحمراء يسوقها سائقٌ قريب الشبه بالسائق الأول ويرتدي ملابسه ، وكذلك جلس بجانبه رجلٌ قريب الشبه بفطين ويرتدي أيضاً ملابسه ، بينما السائق الأول وفطين الآن في الشاحنة ارتديا ملابس السابقيْن الذين نزلا مُنذ قليل .
مضتْ السيارة الحمراء نحو مكانٍ عامٍ مزدحم بالناس ، ثُمّ نزلا وترجّلا ترجْلَ فطين والسائق الأول ، نزلا على أحد المقاهي ولعبا الطاولة نحو ساعة ، ثُمّ استقلا السيّارة ومضوا إلى مكانٍ خالٍ تمامًا ليتبينا إنْ كانا مراقبيْن أمْ لا ؟
أمّا الشاحنة فقد استمرّتْ في السير نحو ساعتين ، وبعدها فُتح البابُ وأُنزلتْ سيارة بيضاء يستقلّها فطينُ والسائقُ .
مضتْ الشاحنةُ في طريقها المرسوم لها بعيدةً تمامًا عن مسار نفق اتحاد المقاومة ، وانعطفتْ سيّارة فطينُ متّجهة إلى مسارها المرسوم لها ، حيث نجد في هذا المسار سيارة أخرى تنتظرهما يستقلها اثنان لتذهب بهما إلى نفق الوادي الجديد مباشرة .
استقلّ الأربعة السيّارة ومضوا جميعًا .
*اِضطر فرد المقاومة إلي إيقاف سيارته بسبب نفاد طاقة البطارية أثناء متابعة سيارة فهمان لأكثر من ساعتين لحين إمداد ألواحها الشمسية بالطاقة التي تنتقل مباشرة إلى البطارية ، ثُمّ اتّجه مباشرة للمسار المؤدّي إلى سيناء ليلحقه.
راسل فرْد المقاومة قائده بشأن تأخره ، فقال له ..إنْ لمْ تدركه توجّه مباشرة إلى الفندق.وتابع كلامه ..رُدّه إلى الوادي الجديد باللين والحذر .
وكرّرَ ..عليك بردِّ الفتى في خفية ..ممنوع الالتحام تحت أيّ ظروف في الفندق حتى لو تعرّضَ الفتى لخطرٍ محدّقٍ ..
قال فرْد المقاومة سمعًا وطاعةً سيدي .
*عصب أحدهما عينيّ فطين بعصابةٍ محكمةٍ ، وظلّتْ السيارة تسير قرابة ثلاث ساعات تهبط وترتفع وتنعطفُ كثيرًا في الأيامن والأياسر .
وفجأة انعطفتْ تاركة ًالأسفلت بعدما أُبدِلت بعجلاتها الأربع ثلاثًا ..
واحدة أماميّة واثنين في الخلف ، تلك العجلات مصممة لتكون أشبه بشكل خفِّ الجمل ، وظلّتْ تسيرُ في رمال الصحراء ثُمّ هبطتْ في نفقٍ ولمْ تسرِ إلّا مئات الأمتار ثُمّ وقفتْ .
أنزَلوه ومضوا به معصوب العينين بماله وعصاه داخل مبنىً عسكري كبير تحت الأرض ، ثُمّ توقّفوا فجأة وطرقوا بابَ مؤيد فأدخلهم ثمّ نزعوا العصابة عنْ عينيه.
فرآه فطينُ واستبشرَ خيرًا .
قالَ له الطبيبُ مؤيد..أهلاً بك في معسكر اتحاد المقاومة الفلسطينيّة.
لا تؤاخذني يا صديقي على الطريقة التي أتيتك بها ، فالحرص ضروريّ جدًا ، إذْ أنّ كشْف نفق اتحاد المقاومة هنا كارثة الكوارث لأنّه مركز كلّ عمليات المقاومة.
ثُمّ أسهبَ مؤيد في حديثه حول عِلة هذه الإجراءات حيث قالَ ..تكتم إسرائيل عن الحادثة شئ مقلق ، وعلى الرغم أنّ لنا عيونًا مهرة إلا أنهم لم يستطيعوا معرفة شئ عن هذا الحادث ، وأغلب الظن أنهم يشكون أنك من قادة اتحاد المقاومة ، ولذلك آثروا أن يتركوك حتى يقتفوا أثرك فيكتشفون أحد الأنفاق العنكبوتية.
فلمّا حللت بأرض الوادي الجديد فرحوا ، واستمروا في اقتفاء أثرك كي يصلوا إلى نفقه ، هم يشكون منذ زمن أن الوادي الجديد به نفق من أنفاق الاتحاد ، زفر زفرة ثمّ قال ..فطين هو مجرد احتمال ، فمعذرةً أخي فطين ..باسم اتحاد المقاومة نعتذر لك.
نظرَ إليهم فطينُ جذلانَ ودعا لهم بالسداد والتوفيق.ثُمّ سألهم عن سبب وجود هذا النفق هنا .
أجابه مؤيد ..
إنّي أعرف أنّ الدّمَ العربيَّ يجري في عروقك ، يا ليت ولدك يكون مثلك ، المهم ..أنت تعلم أنّ عملية الاستيطان والتهجير تجري الآن على قدمٍ وساقٍ منذ تولّىَ يعقوبُ إسحاق رئاسة الوزراء وخاصة بعد أن كثّروا نسلهم لتهويد فلسطين .
ولقدْ شيدنا هذا النفق وجعلناه الرئيس لأسباب كثيرة منها ..توفر المياه بأرض الوادي ، وبُعده الشديد عن منطقة التوتر سيناء تلك التي تحت سيطرة أعين المخابرات والجيش الإسرائيليِّ ، سيناء التي تكتظُّ بحملات التفتيش الإسرائيليّة والمصريّة للبحث عن أنفاق المقاومة.
طأطأ فطينُ رأسه إعجابًا بهم .
-نظر إليه مؤيد وقال في لهفةٍِ وتوسّل..تعمل معنا ؟
-رسالتي هي تهيئة ولدي ليكون سلاحًا لبلده ، ولدي أمّة وحضارة وحده ، قل لي متى العملية ؟
-إنْ شئتَ كنتَ منّا ، وإن شئتَ عملنا لك العملية الجراحيّة ثمّ تركناك عزيزًا راشدًا .
-في المعسكر ! العمليّة في المعسكر!.
-ابتسمَ ابتسامةَ طويلة ، ثمّ قال نحن لدينا هنا أمهر الأطباء في العالم ، ولدينا مستشفى مجهزة بأفضل المعدات والتجهيزات الطبيّة.
-كيف توفّرون الطاقة لأجهزتكم ؟ يسأل فطين وهو يعلم عدة تقنيات لها.
-ننتج الكهرباءَ مِن الماء بعملية تسمى الكهرومائيّة.كذلك لدينا المولّدات الحراريّة وبطاريات نوويّة.
-مَنْ سيجري العمليّة ؟
-بروفيسور بيتر.
-دهشَ فطين وقال ..أهو بروفيسور بيتر الذي كان مع عالمنا ؟
-نعم ، هو .
-أعرفه جيدًا ، إنّه بروفيسور في الفيزياء الطبيّة وليس له نظير في العالم كلّه ، لذلك فإنّ ال سي آي أي لا زالت تبحث عنه بكلّ الوسائل .
-عاش مؤمنًا بالقضية الفلسطينيّة ولذلك فهو هنا ، سيعمل لك العملية ، والمال سنأخذه ، ورأسك إنْ كنتَ ستبخلُ علينا به فلن نأخذه .
-صمتَ طويلاً ثمّ أخذته رعدة البكاء وظلَّ يتهامس بصوت متحشرج حتى إذا هدّته الدموع هدًا سكت ، ثمّ قال له هي لكم ، رأسي ورءوس كلّ المصريّين تهون في سبيل تحرير فلسطين .
اليوم يسقط رأس فطين ليعلو رأس فلسطين .
أخذه الطبيبُ مؤيد ومضيا معًا إلى بروفيسور بيتر، وخلال ساعات ثلاث تمّ عمل الفحوصات والترتيبات اللازمة قبل إجراء العمليّة ، فتطابقتْ طبيعة العصبونيّات والدم والأوردة والشرايين.وتأكد بروفيسور بيتر تمامًا مِن قابلية التحام جسد فطين بالرأس الجديد .
فعلّق مؤيدُ قائلاً..أرأيتَ يا فطين أنّ الدمَ العربيَّ واحدٌ .طأطأ رأسه وقال نعم ، وأردفَ..هل مِن الممكن أنْ اتّصلَ بولدي؟
ردَّ عليه مؤيدُ ..مستحيل ، وقد أزلنا البطارية منه بمجرد دخولك النفق فقد يكون هاتفك مراقبًا ، لكنْ لتكنْ هادئ البال ففهمان تحت أعيننا حتى ترجع ..
*للأسف وصلتْ السيّارةُ إلى جنوب سيناء ولمْ يدركْه المراقبُ حيث رآه ينزلُ مِن السيارةِ دالفًا باب الفندق ..
فتابعه مِن خارجه ولمْ يلجْه ، فهو يعلم أنّ الفندق به عناصر مِن الموساد تعرفه جيدًا .
فقرّر أن ينتظر متخفّيًا حتى إذا ما خرج فهمان أخذه ومضى .
لحظات ودخل يهوديّ الموساد الذي قاتله فطين من قبل في صحبة روبوتيه.
نظرَ في القاعة وعاين الزبائن فلفتَ نظره ذاك الفتى الجالس بعيدًا ، فأخرج هاتفه المعجزة لعلّه يدون له هويته.
رآه فهمان بصحبة الروبوتين ، هذان الروبوتان ذكَرهما له أبوه عندما قصّ له الحادثة ، فانفرجتْ أساريره واستبشر خيرًا.
وأراد أنْ يتبيّن الأمر ويتأكد أنّه هو ، هو قتيل أبيه المزعوم ، فاقترب إلى صاحب البار وسأله عن هذا الرجل ، فنظر إليه باشمئزاز ولم يجبه ، فأخرج فهمان مِن جيبه مئتي دولار وأعطاها له وسأله مجددًا عن وقوع حادثة بين رجل عربي وهذا الرجل اليهوديّ .
حدج عامل البار في الدولارات فاستقلّها فزادها إلى خمسمئة ، نظر إلى اليهوديّ يرقبه وهو يأخذ الخمسمئة دولار ثمّ مدّ يده في جيب فهمان وأخذ كلّ ما فيه وأمسكَ بكلِّ المال وضربه في درج البار ، ثمّ بدأ يقصُّ عليه صِدقاً ما حدث حيث قال..
قَدِمَ علينا رجلٌ بعصا سحريّة ، رجلٌ مِن الطراز القديم جدًا ، مصريّ شجاعٌّ لا يشقّ له غبار ولا يهزمه أحد ، قاتل الروبوتين فهزمهما وأتلف الشرائحَ الإلكترونيّة والهاتف لهذا اليهوديّ السيد ، وضربه ضربات قاتلة ، وظنَّ الرجلُ أنّه مات بعد أنْ مثّل عليه دور الميت .. و .. مقاطعة ..
-قال له فهمان حسبك وكفى وتركه دالفًا باب الفندق للخروج .
وأخيرًا رمقه اليهوديّ وهو يحادث الفتى فدنا من صاحب البار.
حوار بين مؤيد وبيتر بشأن العمليّة :
دلفَ مؤيدٌ حجرة بيتر وكان بيتر حينها يكتب في ورقة أسماء طاقم أطباء العملية الجديدة .
-قال مؤيد ..بروفيسور بيتر ، فطين هذا قوىّ أمين ، محبٌّ للعروبة ، معتزٌّ بوطنيّته ، له دراية كبيرة بعلوم الفيزياء ، لديه كلُّ المقومات التي تؤهّله ليكون قائدًا فعّالاً في اتحاد المقاومة.
-إنْ كان كذلك فجنّده .
-قال متأوّهًا ..للأسف رفض .
-لم ؟
-يقول إنّ رسالته نحو بلده مصر والعروبة تكمنُ في تأهيل لولده ليكون عالمًا .
-قال مازحًا ..إذن اقتله ، يقولها وهو يقهقه.
-لمْ يبادله القهقة بسبب تغلب مشاعر الحسرة على كلِّ حواسه ..يقول عن ابنه بأنّ لديه عِلمًا إبداعيًا ليس نابعًا عن دراسة وإنّما عن مخزون إبداعيّ محضّ .
-فطينُ رجلٌ ذكيّ ويفكر بحنكة ، فعلاً مؤيد..إذا كان الربُّ وهبه ذلك فعليه أنْ يكرّسَ كلَّ حياته مِن أجله ومِن أجل مصر ومِن أجل فلسطين ومِن أجل البشرية جمعاء.
-هذا رأيك اذن ؟
-نعم ، هذا رأيي ولكنّ الإبداع يلزمه دراسة أيضًا ، ولذلك ستعترضه بعض العقبات ، سيحتاج إلى مالٍ كثيرٍ لينفق على تعليم ابنه.. صمت هنيهة ثمّ سأله ..ماذا يعمل هذا الرجل ؟
-ساحر ، سكت هنيهة ثمّ قال ..أبتِ هل من الممكن نفعل شيئًا لفطين لعلّه ينضمّ إلينا يومًا .
-نعم ، ممكن جدًا وخاصة أنّه ساحر ولاسيما لو كان ساحرًا متعلّمًا .
-إذن ، نهيّئه وابنه لنا .
-ماذا تقترح ؟
-غيّرْ الرأس كما اتفقنا ، أريده أن يكون مزدوج الخِلقة ، اجعله إنسانًا وروبوتًا معًا لينفع المقاومة.
-لا مانع لديّ ، فطبيعة عمله تناسب ما اقترحتَ به يا مؤيد ..سأفعل .سأضع في الرأس الجديد خليةًّ إلكترونيّةً تحتوي على مليارات العصبونيّات الصناعيّة فتزيده ذكاءً ، فضلاً عن قدرتها على نسْخ نشاط فيزيائيّ .
-لنعملَ على ذلك ، سأدخل معك غرفة العمليّّات وأكون لك معاونًا .
-أمرك يدعو للفضول ..لِمَ رغبتَ في العمل معي في هذه العمليّة بالأخصّ ؟ .
-لإنّ فطين هذا شيء عظيم ، كما أنّي أحببته جدّاً .
-لا مانع لديّ ، واعلمْ أنّ ما يحفّزني ويستنهض عزيمتي على تركيب هذه الخليّة أنّها ستجعله مِن الأثرياء بسبب قدرتها على نسْخ أعمال فيزيائيّة أثناء أداء أعماله السحريّة ، وسيحتاج إليها كثيرًا ، فبدونها لنْ يستطيعَ أنْ يتحصّل على المال اللازم لتعليم ولده .
-كيف ؟
-الدولةُ المصريّة لا تعتني بالعلماء ، والجامعات الأمريكيّة وكذا سائر جامعات العالم حجّمتْ كثيرًا مِن المنح والمساعدات لتدعيم الطلاب الدوليين ، ففطين سيحتاج إلى أموالٍ كثيرةٍ لينفق على ابنه.
-يفعل الله ما يشاء.
-خذ أسماء هذا الطاقم وأعدّه ، فخلال ساعة سنبدأ عملية الزرع .
بعد خمسة وأربعين دقيقة دخل مؤيد على بيتر ، أبلغه أنّه أعدَّ الطاقم وغرفة العمليات ، ومضوا جميعًا إليها .
*بعد أن خرجَ فهمان من الفندق وكان وقتها مؤيد يحادث بيتر قرّرَ الاتصال بأبيه لمنع عمل العمليّة .
سأل اليهوديّ صاحب البار عمّا سأله الفتى فأخبره فقط بأنّه يسأل عنه.
-فقال اليهوديّ وماذا قلتَ له ؟
-قلتُ أنّك صاحب الفندق ورجل شريف.
-جيد ..ثُمّ استطردَ ..هلْ شاهد شيئًا مِن عروض الفندق ؟ هل طلب شيئًا؟ هل جاء برفقة أحد ؟
-لا أظنّ ، لا ، لا أظنّ.
تركه اليهوديّ قاصدًا الخروج خلف الفتى .
بينما فهمان في طريقه للعبور خارج الفندق تبعه اليهوديّ والروبوتان ، يريد أنْ يعرفَ سبب مجيئه وسؤاله ، وفرْد المقاومة يراقبُ المشهد عن كثْبٍ ، يراقب متخفيًا.
استوقفه اليهوديّ على درج السلم أمام الباب الرئيس له ..فوقف ثُم قالَ..
-لِمَ تسأل عنّي أيّها الفتى العربيّ ؟
-توسّمتُ فيك الشرف والإجلال فأحببتُ أن أعرِفك.
-ردّ بغضبٍ ..قلتُ مَنْ أرسلك إليّ ، ماذا تريد منّي؟ ما شأنك بي ؟
-ردّ بخوفٍ..قلتُ توسمتُ فيك الشرف والإجلال فأحببتُ أنْ أعرفك.
اغتاظ اليهوديّ وقررَّ الإمساك به واصطحابه إلى مكانٍ خالٍ حتى يعرف حقيقة مجيئه للفندق والسبب وراء سؤاله.فأمسكه وجذبه مِن أجل ذلك.
فقاومه فهمانُ حتى لكمه اليهوديّ فطرحه أرضًا ، ثُمّ أشار إلى حتشبسوت بحمله .
تيقّنَ عندها فرْد اتحاد المقاومة أنّ الأمر خرج مِن يده برمته وخاصة بعد الأمر الذي صدر له بعدم الالتحام .
والمفاجأة أنْ فرْد اتحاد المقاومة يسدد الخنجر فلا يخطئ مطلقًا ، فقرّرَ إنقاذ فهمان ومخالفة أمر رئيسه.
ألقى فرْد المقاومة خِنجرًا مسمومًا فأصاب اليهوديّ في قدمه ، ثمّ ألقى خنجرًا آخر على حتشبسوت فأتلف شريحة الإدخال فتعطّلتْ ، ثمّ ألقى خنجرًا ثالثًا إلى الروبوت يهوذا فأصاب منه ما أصاب مِن حتشبسوت بالضبط .
أسرع نحو فهمان فاعترضه اليهوديّ وقاتله فجنّدله فرْدُ المقاومة وأسقطه أرضًا وأخذ فهمان واستقلا السيّارة وانطلقا بأقصى سرعة ..
بعد أنْ نجا فهمان مِن عمليّة قتْل محققٍ ناشدَ فرْد المقاومة الاتصال بأبيه ليخبره بأمرٍ خطيرٍ قبل أنْ يقوموا بعمليّة الزرع .
ردَّ فرْد المقاومة .لا أعلم عن أيّ شئ تتحدث .
سكت فهمان قليلاً وتبيّن له أنّ هذا الشخص يراقبه ليحميه فقط ولا يدري أيّ شيء عن عملية الزرع ، اتّصل بأبيه ولكن الهاتف مغلق ، وأخيرًا اضطرَّ أن يقصَّ لفرْد المقاومة كلَّ شئ حتى يتواصل مع مؤيد ليوقف العملية ..
وبمجرد أن سمع القصة قرّرَ مهاتفة رئيسه بنفق الوادي الجديد ليخبره بما سمعه.
رنَّ هاتف رئيسه ولكنّ الهاتف كان بعيدًا عنه فلم يسمعْه.
وقُطع الرأسُ...
العمليّة...
بعد التحاليل دخلَ غرفةَ العمليات وكان في انتظاره فريق متطور مِن الأطباء يقودهم بروفيسور بيتر.
جلسوا على طاولة العمليّات ثُمّ خدّروه مِن خلال جهاز التخدير الموجود أعلى الطاولة مباشرة والمتصل بأنابيب تسير فيها غازات التخدير والأكسجين مِن تمديدات مركزيّة في جدران المستشفى ، ثمّ ألصقوا على صدره ملصقات التخطيط الكهربائىِّ للقلب ، بالإضافة إلى أنابيب قياس الأكسجين في الدم والضغط .
وإلى سلك جهاز التخثير الكهربائيِ المتصل بساق فطين عن طريق لصاقة خاصة.
تمَّ تسليط الضوء الساطع على رأس فطين ، ثُمّ تقريب الميكروسكوب المجهريِّ المتطور الذي يبلغ قوّة تكبيره إلى أربعين ضعفًا .
وكذلك تمّ إحضار جهاز الليزر مع الميكروسكوب المجهريّ بالإضافة إلى خليةٍ عصبونيّةٍ إلكترونيّةٍ عبارة عن رقائقٍ متناهيةٍ في الصغر تحاكي تمامًا الخليّة الطبيعيّة للكائن الحيِّ .
وَجِيءَ بالهرم الزجاجيّ الموضوع به رأس فلسطينيّ الحدود ، الخلايا ميتة ولكنّها سليمة لم تتقطّعْ أو تتحطّم حيث أنّ الرأس كلّه تحت تأثير تقنية التبريد العميق .
بعد عملية التخدير قام طبيبٌ مختصٌ بوظائف الكبد بتنشيط الكبد بإعطاء الجسد حقنة تسمى بحقنة جنون الكبد ، ولقد سمّاها الأطباء كذلك بسبب انتفاضة الكبد وهيجانه كأنّه تحوّلَ إلى حارس يبذلُ كلَّ ما بوسعه للدفاع عنْ جسده قبل أنْ يهلك.
هو يسعى إلى المكان الذي حدث فيه الخلل ، والخلل هو قطْع الخلايا العصبيّة بعد قطْع الرأس ، فيثور ويهتاج وينتفض انتفاضة النفَس الأخير فيفرز أعلى نسبة هرمونات مِن شأنها أنّها تحول دون موت الخلايا العصبيّة.
ويظلُّ الكبد يرسل إشارات استغاثة تشبه إلى حدٍّ كبيرٍ سيارات الإسعاف التي تنقذ المرضى ، تلك الإشارات هي قيامه بإفرازات لا نهائية مِن هذه الهرمونات.
يقوم بيتر قبل قطْع الرأس أيضًا وبعد التخدير بتوصيل خلية عصبيّة اصطناعيّة عبارة عن رقاقة الكترونيّة نانويّة بالخلايا العصبيّة لفطين والتي تعمل نائبة عنها إذا ما ماتتْ خلاياه الطبيعيّة وتوقفتْ عن العمل تمامًا ، كذلك في حالة دخولها السبات العضويّ .
كلُّ ما يريده الطبيب كسْب وقتٍ كافٍ حتى يتثنّى له وصْل الخلايا والنخاع والأوعية الدمويّة بتقنية جهاز الليزر حال قطْع الرأس.
*مضى رئيسُ فرْد المقاومة المكلّف بحراسة فهمان إلى هاتفه بعد تركه نحو ساعة مضت ، فتحه فسمع مِن شأن فطين ما سمع فألقى الهاتف على الفور وتوجّه مسرعًا إلى حجرة العمليات ليمنع العملية حيث أنّ مقره قريب مِن مشفى النفق .
وقُطع الرأس بعد توصيل الخلايا العصبيّة الاصطناعيّة مباشرة بينما رئيس فرد المقاومة على باب حجرة العمليّات يأمل أن يدرك مؤيد ليخبره بمنع عمل العملية.
لكن للأسف جاءه الخبر بأنّ الرأس قُطع منذ لحظات.فأسِفَ لذلك.
عمليّات الوصل..
وقام بيتر بربط الأوعية الدمويّة والخلايا العصبيّة بالليزرعن طريق تكبيرها بالمجهر، وذلك لمشاهدة العصبونات المراد ربطها ووصْل الشرايين والأوردة ببعضها ودمْج أطراف الحبل الشوكيّ معًا عن طريق الليزر فائق القصر.
ثمّ أحضر رأس الجثة المحفوظ بتقنية التبريد العميق والتي خلاياه دخلت في حالة سبات عميق مِن المستحيل إيقاظها إلّا بوصْله بخلايا حيّة ، حرّك الطاولة بطريقة مناسبة وقرّب الرأس إلى الجسد الجديد وسلّط نبضات الليزر فائقة القصر ، سرعة النبضة فيمتو ثانية وبين كلّ نبضة وأخرى 10-12 ثانية يتمُّ تسليطها على مناطق الربط .
وعلى طول مدة العمليّة كان جهاز التخدير هو البطل الثاني حيث أنّه ساعد فطين على التنفّسِ حال قطْع الرأس ، فأبقى على القلب حيّاً حيث كانتْ عمليات التنفّس تخرج مِن المجرى المؤدِّي إلى الأنف والفمِّ الهالكين عن طريق شهيق وزفير .
ومِن خلال جهاز التخدير كان طبيب التخدير يراقب باستمرار المؤشرات الحيويّة مثل سرعة النبض والضغط الدمويّ وأوكسجين الدمّ ومعدّل التنفّس وتخطيط القلب وكلُّ هذا تمَّ على أحسن حال.
كما أنّ جهاز التخثير الكهربائيّ قام بوظيفته على أحسن وجه حيث قام بوقف نزْف الدّم بالأوعية الدمويّة من شرايين وأوردة.
وأثناء العمليّة وبعدها قام جهازُ مصّ المفرزات سحْب الدمِّ والسوائل المتجمعة في جرح العمليّة وتجميعها في زجاجات صُنعتْ خصيصًا لذلك ، ثمّ تُرمى بعد ذلك لأنّها غدت مِن النفايات الطبيّة.
ولمْ تستغرق العملية أكثر مِن ثمان ساعات في حين أنها كانت في العقد الماضي تستغرق ستة عشر ساعة .
وكان مِن أحد عوامل النجاح الأساسيّة هي دقّة الضرْبة الليزريّة التي أتقنها بيتر ببراعة.
تمَّ حمْل رأس فطين ووضعه في الهرم الزجاجيِّ وتمَّ حِفظها بتقنية التبريد العميق.
والرأس الجديد فيها خليّة عصبيّة اصطناعيّة قدْ تكون سبب بقائه على قيد الحياة.
وفي الخارج ، نجد رئيس فرد المقاومة منتظرًا حالما ينتهي بيتر مِن العمليّة ، بعد ثمان ساعات تقريبًا خرجَ بيتر بمصاحبة مؤيد فناداه فالتفت إليّه ..فأخبره بأمر يهوديّ الفندق وبكلِّ ما حدث في الفندق بالضبط .
فتأوّه مؤيد ودعا لفطين قائلاً ..الله يلطف بك يا فطين .
ثمّ نظر إلى رئيس فرد المقاومة وقال له تكتّمِ الأمر تمامًا ولا تُحدّثْ نفسك به.
تركه وهاتف فرْد المقاومة ليخبره بنجاح العمليّة ، فأعلمَ فهمانَ فسقط مغشيّا عليه .
وأمّا فطين فقد سبَحتْ روحه في عالمٍ آخر أثناء مدة العمليّة ، فقد سافر إلى المستقبل أكثر مِن ثلاثة عشر عامًا .وجد فطينُ ولده في هذا المستقبل وقد ترك عالمه إلى عالمٍ آخر مِن خلال عبور سمّ كسمّ الخياط ، وقد رآه من بُعد الأموات في هذا العالم الآخر طريحَ طاولة من نار موضوعة على أرض ناريّة وحوله مخلوقات غريبة تبدو عليهم علامات التقوى والورع ، فخشِيَ أن يحترقَ فنادى عليه ليحذره ويدعوه لترك الطاولة والهروب بعيدًا عنهم ، بعدها ببضع سنوات أخر وجدهم يلفونه بلفافة مِن نورٍ لمْ يرَ مثلها قطٌّ لأنّها تنبثق من بُعدٍ مختلفٍ عن بُعد ولده وبُعده ، وقالوا له عندما يأذن الله سنخرجك.
عاد فهمان بصحبة فرد المقاومة إلى المنزل منذ ساعتين تقريبًا وفرْد المقاومة أقام معه في المنزل لحين عودة أبيه.
أفاق فطينُ مِن العمليّة فوجد مؤيد بجانبه ، نادى على بروفيسور بيتر يخبره ...
-حمدًا لله على السلامة يا بطل ..قال به بيتر.
-الله يسلمك يا دكتور ..قال به فطين .
-العمليّة نجحتْ بامتياز ، وأنتَ الآن أقوى مِن ذي قبْل بكثيرٍ ، أنت رجلٌ خارقٌ الآن يا فطين ..قال به بيتر.
-حقّاً يا دكتور ، أمْ أنّها رسالة التطمين المعتادة التي يقولها الأطباء لمرضاهم ..قال به فطين .
-بروفيسور بيتر رجلٌ أمريكيٌ لا يفهم ما تقول يا فطين ، الأمريكان لهم تقاليد غيرنا ، همْ يقولون الحقيقة ولا يعرفون المجاملات.قال به مؤيد.
طلب بيتر من مؤيد إحضار مِرآة ، نصبها بيتر تلقاء وجه فطين ثمّ قال له انظرْ ..تفحّصْ ..هل ترى شيئًا ..
تفحّص فطين شكله فلمْ يجدْ إلّا خيطًا رفيعًا يكاد لا يُرى إلّا بالمجهر ،، فحمد الله.
ثُمّ قال بيتر..أحمد الربَّ وأحمد أيضًا مؤيدًا فقدْ بذل جُهدًا كبيرًا معي لكي تنجح العمليّة .
نظرَ فطينُ إلى مؤيد وتذكّرَ يوم أنْ كاد يقتله في منزله بالوادي الجديد فنهض مِن رُقاده كي يقبّل يديه بيد أنّ مؤيدًا دفعه للخلف وقال له يا مجنون أنت ممنوع عن الحركة تمامًا ، ستظلُّ هنا قُرابة شهر وبعدها تستطيع أنْ تذهبَ إلى بيتك .
مضى الشهر وأتمَّ الله شفائه وأخذته سيارة المقاومة إلى منزله بالوادي الجديد.وقد تكتّموا جميعًا أمر يهودِيّ الفندق.


يتبع ..

 

إبراهيم امين مؤمن غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 06-05-2020, 12:48 AM   #6
إبراهيم امين مؤمن
( كاتب )

افتراضي


وقد تكتّموا جميعًا أمر يهودِيّ الفندق.

الجزء الخامس
سُلطان المرآة يخور أمام سلطان القلب ..
تأقلمُ فطين وفهمان على الوضع الجديد ....
عاد فطين إلى المنزل واحتضنَ ابنه ، ولقد أضمرَ فهمان في نفسه غربة ووحشة شديدتين تجاه هذا الوجه الجديد ، وتصنّع مبادلته نفس حرارة الشوق والحرمان الذي طال نحو شهر كاملٍ .
مرّتْ أيامٌ مُنذْ وصوله ، وما زالت الهموم تسيطر على قسمات وجهه الجديد ، يحاول جاهدًا أنْ ينسى وجهه الأصليّ فما استطاع .
أمّا فهمان فكان يتمزّق إربًَا مِن الداخل ، فهو بين بين ، يحاول جاهدًا أن يتأقلمَ مع وجه أبيه الجديد فما يستطيع ، وعليه أيضًا أن يمارسَ مع أبيه دور الطبيبِ النفسانيِّ الذي يجب عليه أنْ يبثَّ فيه عوامل الألفة والأُنْسة.
وفوق كلِّ هذا يحمل ثقلاً كالجبل ، فهو يودُّ مصارحة أبيه بشأن يهوديّ الفندق ، وهو متأكد أنّ الخبر سيمثل كارثة بالنسبة له ، إذْ أنّ مصارحته بالحقيقة الآن لن تزيدَه إلّا ألمًا ، فما أشدّ أنْ يشعرَ المرءُ بأنّ السهمَ ارتدَّ في نحرِه وقدْ ظنَّ أنّه أصاب عدوه.
لذلك آثر التأجيل ليتحيّن اللحظة المناسبة.
تصدّى بقوّة لهذه المسائل وحاول جاهدًا الوقوف بصبر وحكمة حتى لا يفشل .
قال له..
-أبتِ إنّ القلب هو ماهيّة الإنسان ، هو كيانه ، شخصيته ، إرادته .
أبتِ إنه الملك ، إنه يصدر أوامره على هيئة إشارات لخلايا العقل العصبيّة بأداء وظائف الجسد .
-بني ..تقصد أنّ القلب الملك ، والعقل نائب له .
-نعم أبتِ ، وتستطيع أن تستبدل نائبك متى شئت .
أبتِ ..إنّ العقل صورة والقلب جوهر ، ألَا تدري أنّ الله نسب إلى القلب الفهم والإدراك ، ألَا تدري أنّ الله لا ينظر في صورة الإنسان إلّا قلبه.
-بني ..كيف ؟
-أبتِ ..إنّه محل الثواب والعقاب ، محل ..الحبّ -الكره -الحساب -العقاب -الخير -الشرّ .
-فطين يعلم كلّ ما يقوله ابنه ولكنّه آثر أن يسمعه منه ، فأحسّه بقلبه وأحسّ بكؤوس تُصبّ في قلبه من أنهار الجنة ، وأراد أن يشرب منه المزيد.
-وماذا أيضًا يا بني ؟ سأله وهو ولع بكلامه كالعطشان يريد ماءً .
-أبتِ ..أتظنّ أنّ العقل هو وحده من يملك خلايا عصبيّة ؟ لا لا ..فالقلب تمّ تشريحه وتبيّن أنّ له خلايا عصبيّة أيضًا و ذاكره ، والمعجزة أبت ِ أنّ .. أنّ ..
-قل يا ولدي ما المعجزة تلك ؟
-أنّ العقل لا يتصرف بصورة مستقلة ، لابدّ أن ينتظر الأمر من القلب ، وسيظلّ ينتظر وينتظر حتى يأتيه الأمر من القلب.
أبتِ ..حفظك الله من كلّ سوء ..اُنظرْ إلى هذه العبارة التي قالها أساتذة الفيزياء الطبيّة والجراحون ..
إنّ النشاط الكهربائيّ في القلب أكثر مِن المخ ، وفي الواقع المجال الكهربائي للقلب يزيد ستين مرّة عن المجال الكهربائيّ للدماغ والمجال المعناطيسيّ له أكبر من المجال الغناطيسي للدماغ بـخمسة آلاف مرة .
-حدّق فيه أبوه بقوة وإعجاب ، فسياقة العبارة بهذه الطريقة تنمّ عن طبيب متخصص أو دكتور فيزياء.ثمّ قال له ..نحن نولد بكلّ أعضائنا يا بني لا نولد بالقلب وحده .
-أبتِ ..أسأل الله أن يتمّ نعمته عليك ..إنّ القلب هو أول عضو يتكون في رَحِم أمهاتنا .
وانتظر فهمان أبيه هنيهة فلم يتكلم فآثر أن يزيده ..فقال..
القلب هو قلبك لمْ يتغيرْ لكنّ العقل ليس عقلك بل عقل الرأس الجديد ، لكنّه لا يتصرف بصورة مستقلة حتى تأتيه إشارات قلبك .
فاسترحْ أبتِ وعِشْ حياتك بصورة طبيعيّة وتأكد أنّ مشاعرك لنْ تختلفَ تجاه مَن حولك ..الدليل ها أنا ..هل اختلفتْ مشاعركَ تجاهي ؟ ..أنا فهمان أبتِ ..أم أنّي لست أنا ؟
أُعجب فطين بكلامه ، هو يدرك جيدًا براعة ابنه في علوم الطبيعة والكيمياء والرياضيات ، أمّا أنّه يكون بهذه البراعة في علوم الطبِّ والنفس فهذا جديد عليه.
لأوّل مرّة يبتسم مِن قلبه ، ابتسامة انبثقتْ مِن معين عقل ابنه العبقريّ.
هذا العقل الذي أفرزَ فِكرًا مثّل له جيشًا مِن بيادق دفاعيّة ضد فيروسات الأحزان والغربة.
احتضنه بحرارة وقد اغرورقتْ عيناه فرحًا وإعجابًا ، ثمّ ابتعد قليلاً لينظر في عينيه ويتمتع بنور العلم الذي ينبثق من خلالهما .
قعد وأقعد ولده ثمّ سأله مستفهمًا..
يتبع

 

إبراهيم امين مؤمن غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
بشأن رواية قنابل الثقوب السوداء إبراهيم امين مؤمن أبعاد الإعلام 6 11-12-2019 11:19 AM
قنابل الثقوب السوداء أو أبواق إسرافيل إبراهيم امين مؤمن أبعاد الإعلام 4 07-12-2019 01:07 AM


الساعة الآن 05:23 PM

الآراء المنشورة في هذا المنتدى لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الإدارة

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.