مكانا شرقيّا [ قراءاتي ] .

[سَحَر]

تلقي كتاب نسيان . كوم

من خلال متابعتي للقراءات المتناثرة بالشبكة العنكبوتية وبالصحف الورقية التي تلت كتاب نسيان دوت كوم للروائية أحلام مستغانمي وجدت أن ردود أفعال القراء قد تباينت لهذا الكتاب الذي خرج من بعد أعمالها الروائية الثلاثية التي نالت مواطن اعجاب ودهشة من القراء على كافة مستوياتهم الثقافية .

إن أغلب القراءات وقفت موقف الاستهجان , كون ثلاثية أحلام مستغانمي وضعت القارئ في أفق الانتظار لقراءة نص إبداعي آخر يضاهي دهشة ذاكرة الجسد وقراءة بطل آخر , فالأعمال الأدبية التي تنجح الآن هي تلك التي تروي عطش الأمة لاستعادة البطل الغائب مثلما نجح العمل الدرامي "باب الحارة " وغيره من روايات الأبطال , لكن الكاتبة فاجأت القراء بكسر أفق توقعاتهم التي شكلوها من أعمالها الثلاثية وحمل هذا الكسر المعنى والشكل , ففي المعنى وجدوا البطل مقصيا عن كتابها نسيان , ليجيء النص محذرا منه _ أي البطل _ ويضعه في صورة الذئب " الرجل " أو يقدمه في صورة ضحية تبحث عن النجاة " المرأة " .

وشكلا حضر الكتاب بعيدا عن العمل الروائي " وإن تعامل معه القراء كرواية " بناءا على أفق توقعهم والحسّ الروائي التي تحمله الكاتبة في أسلوبها الكتابي " ويؤكد ذلك البداية / الفصل التي جاء بعنوان " الكاتب مرشدا عاطفيا " .

وأنا أعتقد أن كاتبة مثل أحلام يستحيل ألا يسكنها هوس القارئ المثالي وهي تعد كتابها بعد ثلاثية نالت شرف هذا المثالي , ذلك القارئ الذي قال عنه أمبرتو إيكو : " يجب على المؤلف لكي ينظم استراتيجيه النصية أن يرجع إلى سلسلة من الكفايات التي تضفي مضمونا على التعابير التي يستخدمها , كما يجب عليه أن يضطلع بأن المجموع الذي يتخذه مرجعا لنفسه إنما هو المرجع ذاته الذي يعود إليه قارئه , وانه لهذا السبب يعد قارئا مثاليا قادرا أن يتعاضد في مسالة التحيين النصي بشكل كان المؤلف نفسه قد فكر فيه , وانه ليريده أيضا قادرا على التصرف تأويليا كما تصرف هو توليديا ... "

وإن أردنا أن نحدّد أنماط القراءة للكتاب وجدنا أن قراء هذا الكتاب شكّلوا أنماط التصقت بجنسية القارئ نفسه ونوعيّة ثقافته , أمّا النمط الأول كان من نمط قراء الذكور/ الرجال , هذا النمط الذي جاءت ردود أفعاله رافضة للكتاب رفضا معنويا وشكليا كذلك , أما الرفض المعنوي جاء من فقدان صورة البطل صاحب الوجع الشامخ الرجل الذي احتفلت به ثلاثياتها , والشكلي أتى من منطلق معاملتهم مع النص على أساس أنه عمل روائي بينما كان العمل عكس ذلك كما ذكرت سابقا .
وقد عزّز هذا الموقف في تلقيهم أسلوب الكاتبة السردي خاصة عندما دعمّت آرائها بقصص واقعية تستشهد بها لا تخلو من لغتها الشاعرية المعتادة .

والنمط الثاني قراء من النساء اللاتي شكّل حضورهن القرائي بنمط واحد فقط يهتم بمعنى النص دون شكله , وهذا النمط انقسم إلى شكلين , شكل مثّل النساء اللاتي وُجهت لهن الكاتبة الخطاب : " عقدن قرانهن على الانتظار " وهن من علّقن حياتهن على قلب رجل .. وهذا النمط قد تلقى الكتاب باحتفالية عظيمة وبقراءة توافقية اهتمت بالمعنى بعيدا عن شكل النص وعن جنسه الأدبي فشكّلنا التلقي الأكثر انتشارا من النمط الآخر الذي أتى على شكل معاكس للأول ليقفن صاحبات هذا النمط موقف المستنكر فاتجهن إلى :
أولا : القراءات النفسية بالعلاقات بين الرجل والمرأة وسادية الرجل بالكتاب ومازوخية المرأة فيه .. إضافة إلى قراءات نفسية أخرى تحاسب معلومات الكاتبة في النسيان .
ثانيا : القراءة الفكرية التي رأت أن الكتاب وضع كل القارئات من النساء في فئة أنصاف المثقفات والمراهقات والبرجوازيات اللاتي يعلقن حياتهن على الرجال ناسيات خصوصية دورهن الحضاري بالحياة .

أخيرا كل أنماط القراءات السابقة لكتاب نسيان دوت كوم تؤكد أن قد كسر أفق توقع انتظار القارئ فلا المعنى جاء يحمل توقعه ولا الشكل كذلك .