شعراء القصائد الكيبوردية ماذا يريدون ؟؟ !!
أثقلتنا " قصيدة كيبوردية " هذه التي نراه مكتوبة في كل منتدى من منتديات الشبكة العنكبوتية . كلما أمر على هذه التسمية أتجاوز النص , لأن صاحبه غير جاد فيما يقول , وغير متحمس لما يكتب . إذا لم تكن هناك علاقة حميمية بين المرء والقلم , ولم يشم الشاعر أو الكاتب رائحة الورق الذي يكتب عليه , ولم تتكحل عيونه برؤية السطور البيضاء وهي تكتسي باللون الأزرق , فلن يكون المر كاتبًا مميّزًا أو شاعرًا يقدم قصائد ذات قيمة أدبية , لأن في عملية الشطب لبعض ما نقول , نكهة قد لا نشعر بها في ساعتها , ففي الشطب روح مزهقة وعوالم هدمت بعد إشادتها على الورق بالحبر والأنامل . عندما نعود لقراءة ما شطبناه , ندرك أي ذنب اقترفناه وأي ظلم جنيناه على أنفسنا وعلى نتاجنا , وقد يعود المرء للتفكير بما شطب , أو يكون الشيء المشطوب محفزًا للكتابة مرة أخرى , ولو بطريقة مختلفة كالإنتقال من الشعر إلى النثر , أو من كتابة المقال إلى إبداع قصيدة .
الكتابة طقس روحاني وملكوت سماوي لا يمكن تصوره أو تخيله أو وصفه ... ويكفينا أن نقول عنها , لا يمكن وصفه , فعلى الرغم من فضفاضية هذه الكلمة وبساطتها , إلا أنها خير دليل على مدى الحيرة التي يشعر بها الإنسان في إمكانية وصف هذه الحالة .
الكتابة تمرين , ومران , ورياضة .
تمرين للنفس على الصبر , ومران للفكر على البحث والتنقيب , ورياضة وقتية لا بد من ممارستها , وتعويد النفس عليها , وترويض الفكر لها , وبذل الطاقات من أجل خدمتها , والتفاني في سبيل المحافظة عليها وتطويرها .
الكتابة النثرية ليست وحيًا شعريًّا ننتظر هطوله من ملكوت اللا وعي , حتى نستطيع الكتابة , إنها سلوك لا بد أن نعوّد أنفسنا على فعله , على الأقل ساعة أو ساعتين في اليوم أو بعض الأيام في الأسبوع الواحد , إذا أردنا أن يحترمنا الآخرون ويقدرون لنا نتاجنا الذي نكتب . حجة الإنشغال أو الشعور بالملل أو الإحساس بالفراغ من اللا شيء و أو الشعور باللا شيء في زمن الفراغ , وصعوبة تنظيم الوقت أو تحديد الأولويات , ما هي إلا إكذوبة نضحك بها على أنفسنا , لا يمكن أن يكون هناك إنشغال وفوضى , إن كان لدينا إستعداد للتنظيم وتصميم على العمل , فالتنظيم غذاء الإرادة والعمل روح الحياة .
الكتابة طريق كلما مشينا عليه تمدد , وهواء نقيّ كلما تنفسناه تجدد . الكتابة سفر بالذاكرة إلى ما وراء الذاكرة , ورحلة إلى اللا وعي بطريقة واعية |.
الكتابة ليست مجرد الإمساك بالقلم أو العمل على ملء المساحات البيضاء باللون الأزرق , وإن كان ذلك على حساب المضمون والفكرة . إنها علاقة حميمية مع الذات , وسفر بها على بساط الريح إلى عوالم سندبادية بطرق شتى كالشعر والخاطرة والمقال , وكل ما عداها من أجناس الكتابة الأدبية الأخرى .
إن هذا الهاجس يمر بنا مع الكتابة النثرية التي تعتمد على تسلسل الأفكار أو تعدد النقاط , والنقاش التفصيلي للأشياء , والذي يتطلب منا رياضة ومران وتمرين , كما أوضحنا سابقًا ... فكيف يكون الحال مع الشعر الذي لا يزورنا متى أردنا , ولا يأتينا متى نشاء , وإنما يزور في الوقت الذي يريد , ويأتي متى يشاء , وفي الوقت الذي يشاء , دون تحديد موعد او إنذار مسبق , ليطالبنا بالكتابة له ما يشاء دون تصرف أو تحكم منا , ثم يغادرنا ويمضي إلى حال سبيله , ليتركنا في دوامة بعده , ندور فيها كالطاحونة الهوائية محاولين تنظيم ذلك الركام البنائي الذي أشيد على الورق في التحدي الأزلي مع الصنعة الأدبية التي من خلالها نستطيع الفصل بين الشعراء , ونميّز بين قدراتهم الفنية وطاقاتهم الإبداعية , بعد أن يمضي ذلك الهاجس إلى عالم المجهول الذي جاء منه .
نعم ... بعد الانتهاء من هذا الهطول الشعري , ووضع كل شيء أوزاره يأتي دور الصناعة والمهارة والقدرة على منح هذا النص أو ذاك الحياة والحركة , بعدها يبدأ دور القدرة والتفوق , يأتي هذا الدور الذي نستطيع التفريق فيه بين الشاعر المبدع والشاعر العادي البسيط , بين الشاعر القادر على التفوق الإبداعي , وبين الشاعر الذي يدور في حلقات مفرغة حول نفسه دون أن يتعداها قيد أنملة .
يسّر البث المباشر وكذلك الأنترنت علينا الحصول على المعلومة الجاهزة والخبر السريع , لكنهما لم ولن يصنعا منا مثقفين ما لم ندفن وجوهنا بين صفحات الكتب , ونلقِ برحالنا بين دفتي كتاب نستريح فيه من عناء الطريق , , وكذلك الكيبورد سهّل لنا الطباعة , ومنحنا مهارة الكتابة السريعة والتواصل مع الآخرين البعيدين عنا , , غير أن الورق والقلم لا يمكن مقاومة سحرهما الفاتن , بهما يمكننا الشطب والتعديل , أما المسح على الكيبورد , يقضي على مشاعرنا وأفكارنا التي سكبناها على شاشة الجهاز . الكتابة على الكيبورد انتحار للشعر وقتل للشاعرية , وأجمل ما في الكتابة بالقلم والورقة , هي الإنتقال من حالة إلى حالة , من الجلوس على المقعد إلى التربع على الأرض , أو الإستلقاء فوق السرير أو افتراش الأرض تسلقيًا وانبطاحًا , أو التقلب على الموكيت أو السجاد المبسوط على الأرض , أو التجوال بين أسياب المنزل ودخول أكثر من غرفة والخروج منها دون سبب , لاقتناص لحظة عابرة في نسيج الزمن أو اصطياد فكرة أو مشهد مر عبر شريط الذاكرة , وهذه الأجواء الإحتفالية الكتابية لا يمكن توفرها , عندما يتجمد المرء كالآلة البخارية أمام شاشة الكمبيوتر