*
فنان أدبيان .. لكلٍ منهما تاريخه الذي يحق لأبنائه المماراة والمفاخرة به , ولكلٍ أسس وقواعد يعتمد عليها والتي ماإن يُكسَر أحدها حتى يتلاشى النص الأدبي ..
فنان نشأت بينهما علاقة متنافرة أو على أفضل تقدير لم تكن جيدة كفاية رغم انبثاق كليهما من رحم الأدب..
هكذا هما الشعر والسرد .. في تلاحم ذات حديث عن الأدب .. وصراعٍ ذات تحديد هوية الغالب منهما على الساحة وأكثرهما رواجاً وتعبيرا .
في وقتٍ سابق .. كان الشعر شعرا .. له أوزان وقوافٍ تحكمه ويتعين عليها تحديد غثه وسمينه , وكان النثر نثرا بحريته واسترساله ولكنه مع ذلك يحدد لرائده سقفاً لا يمكن له تجاوزه إلى حوشي الكلام والهذر بلا معنى وإلا فقد النص النثري سلامته وسبكه ..
وفي وقتٍ قريب .. ولدت أجيال لا تمانع اختلاط أنساب الأدب , ولا تبالي بخطوط حمراء شائكة تمنع اقتراب صنوف الأدب ودمجها ببعضها .. أجيال رغبت في الممنوع فلم تخشَ القرب , وإنما اعتبرت ذلك فناً وإبداعاً وابتكاراً قد يحسب لمبتدعيه يوماً ما , لا عليهم .
بهذه الطريقة فكر أولئك الذين زاوجوا بين الشعر والسرد , فكان ميلاد قصيدة النثر والنصوص الأدبية الحرة التي قد يحتار القارئ وربما حتى كاتبها في تصنيفها لصنف أدبي بعينه .. فهنا سرد بقواعد شعرية وهناك قصائد بأساليب محكية , ويعزى ذلك إلى مرونة مفهوم الأجناس الأدبية وتجاوز رواد الفنين لعقدة الأفضلية , والرغبة في ابتداع ما يعلي شأن الأدب دون تخصيص / تفضيل لجنس أدبي على آخر .
كرؤية شخصية .. وربما لاهتمامي بأن يكون الأدب مهما تباينت أصنافه مجاوزاً لدائرة الكاتب الشخصية , ووسيلة لمناقشة ومعالجة قضايا وكونه رسالة لا بد لها من هدف يرمي المرسل لإيصاله إلى المستقبل ..أرى بأن هذا المزج بين الفنين ليس دائماً في مصلحة الأدب خصوصاً مع اتساع مجالات النشر , إذ يلاحظ نزوع أغلب جسور التواصل بين الفنون الأدبية إلى اللغة و السبك والحبك وابتكار المفردة في النص الأدبي الحر دون عناية بفكرة رئيسية تكون محوراً رئيسياً تدور في فلكه الحروف .
الأدب جزء من التاريخ وأهمية الجزء لا تقل عن أهمية المُجتَزَأ منه , فكما التاريخ حافظاً فالأدب كذلك .. وما يلاحظ بأن أغلب النازحين ينشغل بكيفية إدراج الروح السردية بين ثنايا أبيات شعرية أو توظيف الأبيات الشعرية والأسلوب الموزون المقفى في بنية سردية .. ويهمل في مقابل ذلك المعنى , ولا حجة للقائل بـ ( المعنى في بطن الشاعر ) فإن كان المعنى في بطنه , فلتبقَ حروفه أيضاً كذلك .
لستُ في معرض الحديث بسلبية عن المزج بين الأصناف الأدبية , فكما أبدع بعض في الشعر وأخفق بعضُ آخر , وفعل بعض في النثر , فالجامعون بينهما أيضاً تأرجحوا بين مبدعٍ ومخفق
.
نقطة أنهي بها مقالي وأضع بعدها فاصلة ليواصل أهل الاختصاص الحديث عن العلاقة بين الشعر والسرد لتحقيق فائدة شخصية لي في هذا الموضوع ...
شكراً مقدماً
,